لم يعد العديد من سكان الموصل السابقين إلى بيوتهم بسبب الذخائر المخبأة غير المنفجرة. مايك خلف / اللجنة الدولية للصليب الأحمر

العراق: الحياة في الموصل في عيون الأطفال

بعد أربع سنوات من انتهاء أعمال العنف، لا تزال مدينة الموصل التي كانت مزدهرة ذات يوم تحمل آثار القتال: أحياء مهجورة وأنقاض على مد البصر. ولا تزال المدينة القديمة الواقعة على الضفة الغربية لنهر دجلة، والمعروفة باسم جوهرة الموصل، في حالة خراب. ويلعب الأطفال على الأنقاض أو يبحثون عن أشياء لإعادة بيعها في السوق.
مقال 09 كانون الأول/ديسمبر 2021 العراق

يلعب ياسين البالغ من العمر ثماني سنوات على أنقاض ما كان في السابق مسجداً في المدينة القديمة في الموصل. وعلى الرغم من الإنذارات التي تحذر من وجود ذخائر غير منفجرة، يلعب الصبي وأصدقاؤه بلا خوف في هذه البيئة المقفرة.

ويبحث الأطفال عن الأعلام البيضاء التي تشير إلى المباني التي طُهِرت من الألغام. وبعد ذلك، يشرعون في الحفر في أكوام الأنقاض بحثًا عن أي شيء ذي قيمة يمكن إعادة بيعه. ويعني هذا النشاط، بوصفه مصدرا رئيسيا للدخل، أنهم يغامرون بأنفسهم في المناطق غير المطهرة أيضاً.

وتقول يقين البالغة من العمر 11 عاماً: "هناك بعض الأماكن الخطرة هنا، لا يُسمح لنا باللعب فيها بسبب الألغام". وتعيش يقين في المدينة القديمة في الموصل وتتذكر فترة ما قبل الحرب قائلةً: "قبل النزاع، كان لدينا متجر هنا وكان لدي أصدقاء. وقد اعتدنا الخروج واللعب مع بعضنا البعض".

إن العديد من سكان الموصل السابقين لم يعودوا بسبب الذخائر المخبأة غير المنفجرة. فهناك قنابل يدوية وقنابل وصواريخ تنتظر الأبرياء. وكل ما يتطلبه الأمر هو خطوة خاطئة واحدة لتغيير حياة شخص/أشخاص إلى الأبد.

قد يكون القتال قد انتهى، ولكن الحرب مستمرة

إن الآلاف من الأشخاص الذين فروا من القتال غير قادرين أو غير راغبين في العودة. وتتسم فرص العمل بالنُدرة في ظل غياب الاستثمار الضخم اللازم لإعادة بناء المدينة.

وتقع الموصل، عاصمة محافظة نينوى، على مقربة من تركيا وسورية وكانت ذات يوم من أهم المدن الواقعة على طريق التجارة في الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من الحقيقة المتمثلة في إجراء إصلاحات على بعضٍ من البنية التحتية الأساسية، مثل المجاري والطرق، إلا أنه لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به، لا سيما فيما يتعلق بالمنازل والرعاية الصحية.

إن الوضع قاتم والبقاء في هذه البيئة القاسية يمثل تحديا، ولكن بعض الأسر عادت. ولم تغادر أسر أخرى أبداً وتحملت العواقب الوخيمة للحرب.

غانم هو أحد هؤلاء السكان. كان يبلغ من العمر ثماني سنوات في عام 2017. وكان قابعاً في منزله بغرب الموصل عندما تعرض المنزل إلى قصف بصاروخ. وفقد ساقه على الفور. وكان المشهد مروعاً لدرجة أن والدته كانت تخشى حتى أن تلتقطه وتطلب المساعدة. وتروي والدته أنوار الأمر قائلةً: "كان يتألم ويصرخ، وكان الدم في كل مكان".

وكانت عملية التعافي طويلة ومؤلمة لطفل في عمره، مثله مثل معظم الأطفال في عمره، ولكنه كان يستمتع بالتسابق نحو تحقيق التعافي. وبعد عامين طويلين من عدم قدرته على الحركة، رُكِبت له ساق اصطناعية في مركز إعادة التأهيل البدني التابع للجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) في الموصل.

ومكّنت هذه الساق اصطناعية غانم من استعادة طفولته. ويقول بابتسامة تعلو محياه: "يمكنني الركض ولعب الكرة والذهاب إلى المتجر مرة أخرى. وذهبت مرة مع أصدقائي إلى السوق وكنت أسير بسرعة كبيرة لدرجة أنني غبتُ عن أنظارهم. وكان عليّ أن أعود إلى المنزل بمفردي".

وكانت شقيقة غانم، سارة، أيضا في المنزل عندما سقط الصاروخ. وتقضي يومها، في الوقت الحاضر، على كرسي متحرك أو في السرير. وتقول والدتها أنوار إن إصابات العمود الفقري التي تعرضت لها سارة معقدة للغاية ولا يمكن علاجها في مراكز الرعاية الصحية المحلية. وتستطرد قائلةً إنها يائسة لأنها لا تستطيع تحمل تكاليف اصطحاب سارة إلى مكان آخر لإجراء عملية جراحية باهظة الثمن. وكلما طالت مدة عدم تلقي سارة لرعاية مناسبة، كلما قلّت فرصها في الوقوف والمشي مرة أخرى.

إن التغلب على صدمة ذلك اليوم الرهيب لن يكون أمراً سهلاً على أي فرد من أفراد الأسرة. وفقدت سارة وغانم أيضا أخا وأختا لهما في الانفجار.

المساعدات الإنسانية لن تكون كافية

يواجه السكان نقصاً حاداً في المياه والكهرباء. وأشارت دراسة حديثة أجرتها اللجنة الدولية إلى أن أقل من 15 في المائة من الأشخاص على الضفة اليسرى للموصل - النصف الشرقي من المدينة - لديهم حالياً ما يكفي من المياه لتلبية احتياجاتهم اليومية. وعلى الضفة اليمنى، كانت النسبة أعلى، ولكنها لا تزال في حدود 35 في المائة فقط. ويرجع ذلك في جزء منه إلى تدمير الحرب للبنية التحتية الحيوية، مثل محطات ضخ المياه.

وقد يكون الصراع قد انتهى، ولكن احتياجات الأشخاص في الموصل – وفي محافظة نينوى على نطاق أوسع- لا تزال ضخمة. إن مدى الأضرار المُلحقة يعني أن المساعدات الإنسانية وحدها لن تكون كافية. وفيما يتعلق بمدينة الموصل، سيتطلب الأمر القيام باستثمارات وطنية ودولية مستمرة لإصلاح بنيتها التحتية المتضررة بشدة، ولضمان وصول المجتمعات المحلية إلى الخدمات الأساسية مثل المأوى والمياه والكهرباء والرعاية الصحية.