الحرب السيبرانية: القانون الدولي الإنساني يوفر طبقة إضافية من الحماية

10 أيلول/سبتمبر 2019

بيان ألقته السيدة "فيرونيك كريستوري"، كبيرة مستشاري الحد من التسلح في اللجنة الدولية أمام "الفريق العامل المفتوح العضوية المعني بالتطورات في ميدان المعلومات والاتصالات السلكية واللاسلكية في سياق الأمن الدولي" - نيويورك، 10 أيلول/سبتمبر 2019

تعرب اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) عن امتنانها لإتاحة الفرصة لها لمخاطبة الدورة الموضوعية الأولى لـ "الفريق العامل المفتوح العضوية المعني بالتطورات في ميدان المعلومات والاتصالات السلكية واللاسلكية في سياق الأمن الدولي".

كما نعلم جميعًا، تقدم التكنولوجيا فرصًا هائلة للإنسانية، ولكنها تحمل في جنباتها مخاطر في ذات الوقت.

تُستخدم العمليات السيبرانية في النزاعات المسلحة اليوم كوسيلة من وسائل الحرب أو سبلها، حتى أن بضع دول أقرَّت علنًا باستخدامها. ويتزايد عدد الدول التي تُطور قدراتها العسكرية السيبرانية، سواء لأغراض هجومية أو دفاعية.

ترصد اللجنة الدولية التطورات التكنولوجية التي يمكن استخدامها كوسائل أو سبل للحرب، وتقيِّم المخاطر والتحديات التي تتولد عنها من منظور تقني وإنساني وعسكري وقانوني. وفي هذا الشأن، دعت اللجنة الدولية في العام الماضي عددًا من الخبراء من جميع أنحاء العالم للاجتماع لوضع تقييم واقعي للتكلفة البشرية المحتملة من جرَّاء العمليات السيبرانية. والتقرير الذي صدرعن هذا الاجتماع متاح على الإنترنت.

تتسبب الهجمات السيبرانية التي نشهدها اليوم في تكلفة اقتصادية كبيرة، وإن كان الجزء الأعظم منها ليس في إطار نزاع مسلح، ولم يتسبب لحسن الحظ في أضرار جوهرية للناس. غير أن هجمات أكثر تعقيدًا نجحت في تعطيل إمدادات خدمات أساسية لسكان مدنيين. ويبدو أن قطاع الرعاية الصحية على وجه الخصوص أكثر عرضة للهجمات السيبرانية ويتأثر كثيرًا بها. كما تأثرت قطاعات أخرى من البنية التحتية المدنية من بينها أنظمة الكهرباء والمياه والصرف الصحي. وتفيد التقارير أن هذه الهجمات تزداد تواترًا، وتتعاظم حدتها بسرعة أكبر من أي توقعات.

ترى اللجنة الدولية إن العمليات السيبرانية التي تُنفذ في أثناء النزاعات المسلحة– شأنها شأن أي أسلحة أو وسائل أو أساليب حرب أخرى يلجأ إليها المتحاربون في النزاع، جديدة كانت أم قديمة– تخضع في تنظيمها للقانون الدولي الإنساني.

عندما نؤكد على انطباق القانون الدولي الإنساني، فإننا لا نشجَّع عسكرة الفضاء السيبراني، ولا نضفي شرعية على الحرب السيبرانية. وأي لجوء من الدول إلى القوة – سواء سيبرانية أو حركية – يظل محكومًا بميثاق الأمم المتحدة، لا سيما حظر اللجوء إلى القوة. إذ يجب تسوية الخلافات الدولية بالوسائل السلمية، في الفضاء السيبراني كما في جميع المجالات الأخرى.

والقانون الدولي الإنساني إنما يوفر شريحة إضافية من الحماية ضد آثار الأعمال العدائية. فبموجبه، على سبيل المثال، يجب على المتحاربين احترام وحماية المرافق الطبية والعاملين فيها في جميع الأوقات. وبالتالي، فإن الهجمات السيبرانية ضد قطاع الرعاية الصحية أثناء النزاع المسلح تُمثّل في معظم الأحوال انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني. وعلى النهج ذاته، يتمتع المدنيون والأعيان المدنية والأشياء التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين بحماية خاصة بموجب مبادئ القانون الدولي الإنساني الخاصة بالتمييز، والتناسب، والاحتياط. وبالتالي، تُكفَل حماية قوية للبنية التحتية المدنية الحيوية ضد آثار الهجمات السيبرانية في أثناء النزاعات المسلحة.

ويمكن اللجوء إلى العمليات السيبرانية بما يتوافق مع القانون الدولي الإنساني، حيث إن خصائصها التقنية تمنحها القدرة على أن تُضبَط بدقة كبيرة لتصيب أهدافًا بعينها فقط.

على أيه حال، تثير العمليات السيبرانية عددًا من المسائل المتعلقة بتفسير القانون الدولي الإنساني. منها على سبيل المثال مسألة أن الهجمات السيبرانية التي ترقى لمستوى الهجمات وفق تعريفها المحدد في القانون الدولي الإنساني هي فقط التي تخضع للحظر الذي يفرضه القانون على الهجمات المباشرة الموجهة ضد أعيان مدنية والهجمات العشوائية وغير المتناسبة. من جانب آخر، فإن مفهوم الهجمات السيبرانية لم يستقر بعد بشكل نهائي بمقتضى القانون الدولي الإنساني. وفي تقديرنا، لن يتوفر النطاق الكامل للحماية القانونية بموجب قواعد القانون الدولي الرئيسية إلا عندما تقر الدول بأن العمليات السيبرانية التي تعطل عمل الأشياء تخضع لقواعد القانون الدولي الإنساني التي تحكم الهجمات.

تثير الخصائص الفريدة للفضاء السيبراني أسئلة حول تفسير قواعد القانون الدولي الإنساني، ويتعين على الدول معالجتها على وجه السرعة. إن التأكيد على أن القانون الدولي الإنساني ينطبق على الفضاء السيبراني ومناقشة تأويلاته لا يعني أن وضع قواعد جديدة قد لا يكون مفيدًا أو حتى مطلوبًا. ولكن في حالة وضع قواعد جديدة ينبغي أن تُبنى على القانون الحالي وتعززه.

لكل ما تقدم، ترحب اللجنة الدولية بجهود المجتمع الدولي المتجددة، ومن بينها الجهود التي تُبذل من خلال هذا الفريق العامل المفتوح العضوية، لدراسة كيفية انطباق القانون الدولي على استخدام الدول للمعلومات وتكنولوجيا الاتصالات بُغية تعزيز تفاهمات مشتركة. واللجنة الدولية على أتم الاستعداد لتقديم خبراتها في هذه المناقشات.