مقال

إثيوبيا: الأزمة الإنسانية تزيد من معاناة الأشخاص ذوي الإعاقة في إقليم "عفار"

الاحتياجات الإنسانية في إقليم عفار هائلة، وكثير من الأشخاص ذوي الإعاقات لا يمكنهم الحصول على الخدمات الطبية.

يجلس "جيتاشيو جيسيس" على حافة أحد أحواض الزهور، تحت سارية علم أمام فندق في "سيميرا"، عاصمة إقليم "عفار" في إثيوبيا، وبجانبه صديقه "شيجاو أبابو"، الذي يعاني من إعاقة وتحديات مماثلة، إذ فقد كلاهما القدرة على المشي، وأمامهما كلب تبدو عليه علامات الهزال والضعف يحدق بهما ولسانه يتدلى من فمه، وهما يتسولان طلبًا للمال من المارة.

يبلغ جيتاشيو من العمر 20 عامًا ويعيش في "لوجيا"، وهي بلدة صغيرة تقع على بعد 10 كم خارج سيميرا، وقد فقد جيتاشيو قدرته على المشي منذ 10 سنوات، وأجبرته حالته على ترك المدرسة والتخلي عن حلمه في أن يصبح قسًا أرثوذكسيًا - في منطقة أكثر من 95٪ من سكانها مسلمون.

يقول جيتاشيو: "عندما بدأت الحالة، كنت أشعر بتشنجات مؤلمة وصعوبة في تحريك ساقَيَّ".

وعلى الرغم من أن والدته كانت تدلك له ساقيه على مدى شهور بالأعشاب التقليدية، فإن حالته ساءت وفقد القدرة على المشي. ولم يسع جيتاشيو للحصول على تشخيص أو علاج لحالته لأن عائلته لم تكن قادرة على تحمل تكاليفهما.

ويضيف قائلًا: "الكل قال لي أيضًا إنه لا يوجد علاج لهذه الحالة".

يقول جيتاشيو إن إعاقته الجسدية تحول دون حصوله على وظيفة. وهو يعيش في حي فقير في لوجيا ويعتمد على التبرعات التي يقدمها له المارة في الشوارع ليبقى على قيد الحياة. وفي الماضي، كان بإمكانه أن يحصل على 700 بير إثيوبي في اليوم، لكن منذ أن امتدت الحرب في شمالي إثيوبيا إلى منطقة عفار في عام 2021، بات يحصل بالكاد على 200 بير. وفي بعض الأيام، لا يكون بالمنزل طعام يتناوله. وفي مرات عديدة طرده صاحب المنزل من الغرفة التي يستأجرها - لعدة أيام - وبعد ذلك كان يشعر بالشفقة عليه ويسمح له بالبقاء بدون دفع إيجار.

يقول جيتاشيو: "الوضع صعب الآن، خاصة بالنسبة لنا نحن الذين لا نستطيع المشي".

الاحتياجات الإنسانية في عفار هائلة، وكثير من الأشخاص ذوي الإعاقات لا يمكنهم الحصول على الخدمات الطبية، ولا يوجد في المنطقة مركز لإعادة التأهيل البدني لتقديم خدمات كاملة لذوي الاحتياجات الخاصة، وقد أدت النزاعات وأعمال العنف في مناطق تيجراي وأمهرة وصومالي وأوروميا المجاورة إلى زيادة صعوبة حصول المرضى على الرعاية في أماكن أخرى.

منطقتنا مختلفة لأنها تواجه وضعاً إنسانياً قاسياً ناجماً عن أربعة نزاعات

يقول علي زينو، رئيس مكتب الشؤون الاجتماعية في عفار.

في مستشفى "دوبتي" للإحالة - أكبر المستشفيات في المنطقة - يقول الأطباء إن المستشفى يعاني من ضغوط بسبب الوضع الإنساني المزري الذي تفاقم بسبب النزاعات المسلحة المختلفة في المناطق المجاورة. ويتلقى المرضى العلاج على أسرة في أروقة المستشفى ويقف العديد منهم في طوابير في انتظار أن يوقع الطاقم الطبي الكشف عليهم، ومن بينهم أشخاص يعانون من أشكال مختلفة من الإعاقات الجسدية، والبعض منهم فقد فقد ساقيه وذراعيه في النزاعات.

ويوضح الدكتور حسين عدن - الرئيس التنفيذي للمستشفى- قائلًا: "يأتي العديد من المرضى الذين يحتاجون إلى إعادة التأهيل البدني إلى هنا، ومعظمهم من مناطق بعيدة ونائية. ولا يمكننا تقديم أي خدمات سوى الخدمات الأساسية لأننا لا نملك الموارد اللازمة لذلك. ونحتاج إلى المساعدة لتحسين خدمات العلاج الطبيعي التي نقدمها". وكما أشار الدكتور/ حسين، فإن المستشفى يفتقر إلى المعدات ويعاني من نقص شديد في الموظفين، كما أنه يفتقر إلى الخدمات المهمة مثل الصحة النفسية وطب العيون.

فضلًا عن ذلك تواجه المنطقة أزمة غذائية، فلا يوجد ما يسد احتياجات الناس من الطعام، وأدى تدفق النازحين من المناطق المجاورة إلى زيادة عدد الأشخاص الذين لا يستطيعون الحصول على الغذاء، وباتت حالات سوء التغذية في تزايد مستمر. ويتولى مركز التغذية المؤقت بمستشفى دوبتي، تقديم الدعم العلاجي للعشرات من الأطفال والبالغين الذين يعانون من سوء التغذية ومضاعفاته. وفي مركز "ميل" للصحة الأولية، الذي يقع على بعد حوالي 60 كم في ضواحي سيميرا، يزن خبراء الصحة عشرات الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في مركز التغذية قبل تزويدهم بالتغذية العلاجية الأساسية، ويصل بعضهم إلى المستشفى في حالة ميئوس منها.

ولم يدع نقص الغذاء لبعض الأشخاص أي خيار سوى أكل بذور بعض البقوليات (البازلاء الحلوة) التي لها عواقب صحية لا يمكن علاجها - ومنها الإعاقة المستديمة. ويعاني جيتاشيو - مثله مثل العديد من الأشخاص الآخرين في المنطقة - من مرض التسمم بالجلبان - وهو حالة شلل مستديمة في الأطراف السفلية ناتجة عن تناول بعض البقوليات، كما شخصها أخصائيو العلاج الطبيعي التابعون للجنة الدولية، بعد فحص المرضى في منطقة عفار في آب/أغسطس 2022 .

يتذكر جيتاشيو قائلًا: "أكلت الجوايا (الجلبان المزروع)، وبعد ثلاثة أيام، بدأت أعاني من تشنجات وشعور بالإرهاق وصعوبة في تحريك ساقي".

كان نشاط التوعية الذي قام به فريق اللجنة الدولية هو الأول من نوعه في المنطقة للأشخاص ذوي الإعاقة. وقد بلغ إجمالي عدد المرضي الذين خضعوا للفحص 104 مرضى في مناطق لوجيا وميل ودوبتي وسيميرا. وتم تشخيص حالة اثني عشر من المرضى بالإصابة بهذا المرض بوصفه السبب الكامن وراء إعاقتهم - بما في ذلك " شيجاو" صديقة جيتاشيو، البالغة من العمر 29 عامًا.

ويوضح السيد "فينكاتاكانان باكيريسامي" - مدير مشروع إعادة التأهيل البدني باللجنة الدولية في إثيوبيا – قائلًا: "بالنظر إلى عدد حالات الإصابة بهذا المرض والفئة العمرية للمرضى، فمن المحتمل أن تكون حالتهم مرتبطة بأزمة الغذاء التي أصابت إثيوبيا في الثمانينيات والتي أجبرت الناس على تناول بعض البقوليات، رغم علمهم بالعواقب الصحية. وقد كانت منطقة عفار، التي حددنا فيها هؤلاء المرضى، وكذلك منطقة أمهرة الشرقية من أكثر المناطق تضررًا من جراء انعدام الأمن الغذائي". وأضاف: "يحتاج الوضع الغذائي الحالي إلى اتخاذ إجراءات في الوقت المناسب للحيلولة دون دفع المزيد من الناس للوصول لهذه الحالة الصحية التي لا يمكن علاجها. وبصرف النظر عن العواقب الاجتماعية والصحية الحادة الناجمة عن انعدام الأمن الغذائي، فإنه يترك إرثًا طويل الأمد فيما يتعلق بإعاقة السكان المتضررين وإنتاجيتهم".

إن معظم الأشخاص الذين يعانون من إعاقات في منطقة عفار، مثل جيتاشيو، لم تتح لهم أي فرصة لاستشارة طبيب أو أخصائي علاج طبيعي.

وتقول شيجاو: "هذه [تقصد الفحص الذي أجراه فريق اللجنة الدولية] هي المرة الأولى التي أقابل فيها طبيبًا متخصصًا. وإذا نجح علاجي، سأكون سعيدة جدًا أن أمشي مرة أخرى".

وعقب الفحص، قدم فريق اللجنة الدولية دعمًا فوريًا، تضمن تقديم عكازات إلى 61 مريضًا في الحال، بينما تم تسجيل 13 آخرين لاستلام كراسٍ متحركة لمساعدتهم على التنقل. وأحيلت الحالات الخطيرة إلى مركز إعادة التأهيل البدني في "ديسي" - بمنطقة أمهرة - بدعم من اللجنة الدولية، وإلى المستشفيات في العاصمة أديس أبابا حيث سيتلقون العلاج المجاني.