مقال

إعادة الروابط العائلية: آلام الشتات وفرحة لمّ الشمل

(القاهرة، اللجنة الدولية) قد يكون تشتت أفراد العائلات من أصعب التجارب التي يقاسيها الإنسان، ففقدان الاتصال بالأحباء والجهل بما آلت إليه مصائرهم يفجر معاناة هائلة في النفوس. تتشتت عائلات لا حصر لها كل عام من جراء النزاعات المسلحة وحالات العنف الأخرى والكوارث الطبيعية، ويفقد أفرادها القدرة على الاتصال ببعضهم بعضًا، فتخيّم عليهم حالة من الضبابية ينعدم فيها اليقين ويسودها الكرب والأسى.

وإذ تقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) بهذه الحاجة الإنسانية الملحة، فإنها لا تدخر جهدًا في العمل على إعادة الروابط بين العائلات والتصدي لقضية المفقودين على مدار أكثر من 150 عامًا.

وتتعاون اللجنة الدولية والجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر حول العالم لتحديد أماكن وجود الأشخاص المشتتين وتمكينهم من الاتصال مجددًا بذويهم. يتضمن هذا العمل، الذي يسمى إعادة الروابط العائلية، البحث عن أفراد العائلات واستعادة سبل التواصل في ما بينهم والحفاظ عليها، ولمّ شمل العائلات (في ظروف محددة للغاية)، والسعي إلى الكشف عن مصير وأماكن الأفراد الذين ما زالوا في عداد المفقودين.

وتجري اللجنة الدولية أنشطة لإعادة الروابط العائلية في مصر، تشمل تمكين الأفراد من الاتصال بذويهم عبر الهاتف والإنترنت والرسائل الخطية، وكذا البحث عن المفقودين. ساعدت هذه الخدمات مئات الأشخاص على استعادة الاتصال بذويهم.

تعتبر مصر بلد عبور على دروب الهجرة من أفريقيا والبلدان المتضررة من النزاعات في المنطقة، وكثيرًا ما تتشتت أفراد العائلات المهاجرة في الرحلة التي يقطعونها على دروب الهجرة، وهنا تأتي حاجتهم إلى الدعم من أجل استعادة الروابط العائلية والحفاظ عليها.

فقد تمكنت بعثة اللجنة الدولية في القاهرة على مدار العام الماضي من تحديد مكان 162 مفقودًا - داخل مصر والبلدان المجاورة - بالتعاون مع بعثات أخرى للجنة الدولية وجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في تلك البلدان. وأحيانًا ما تشهد بعثتنا في القاهرة اللقاء الذي يجمع شمل أفراد العائلة الواحدة في أجواء مفعمة بالفرح والدموع بعد سنوات من الانفصال. وإليكم قصتان مؤثرتان لأفراد عائلتين التئم شملهما في بعثة القاهرة في شهر نيسان/أبريل 2023.

7 سنوات من التشتت تنتهي بالتئام الشمل في القاهرة

يحمل "ماجوك" جنسية جنوب السودان، وكان يعمل في السودان برفقة عائلته. وفي عام 2011، غادر السودان برفقة شقيقه متجهًا إلى جنوب السودان بحثًا عن عمل يعينه على إعالة عائلته. لكنه للأسف فقد الاتصال بعائلته في 2016، ولقي شقيقه مصرعه في خضم النزاع الدائر في جنوب السودان، ما اضطره للعودة إلى السودان في 2021 في رحلة للبحث عن والدته وشقيقته. وتناهى إليه من أفراد المجتمع المحلي في السودان أنهما غادرتا البلاد إلى مصر. ورغم عدم وجود معلومات أخرى تتيح له تحديد مكان إقامتهما في مصر، قرر اقتفاء أثرهما والانطلاق في رحلة إلى البلاد. وبمجرد وصوله إلى القاهرة، توجه إلى بعثة اللجنة الدولية لتقديم طلب بحث عن مفقودين.

وتكللت جهود اللجنة الدولية بعد أشهر قليلة بتحديد مكان والدته وشقيقته في مصر، من خلال مراجعة أسميهما لدى المنظمات الإنسانية الأخرى، فالتئم شمل "ماجوك" بهما بعد انفصال دام سبع سنوات في لحظة فاضت بالمشاعر الحارة في بعثتنا بالقاهرة.

وقال "ماجوك" بنبرة تفيض بالسعادة: "لا أستطيع التعبير عن سعادتي برؤيتهما. كنت أتحرق شوقًا لرؤيتهما، والآن أطمئن قلبي وقد عادتا إليَّ." غادر "ماجوك" بعثة اللجنة الدولية ممسكًا بيدي والدته وشقيقته بعد سبع سنوات من الانفصال. 

إعادة الروابط العائلية بين 9 أفراد من عائلة واحدة

"دريبي" مواطنة إثيوبية غادرت بلدها في 2016 على خلفية الأوضاع الأمنية والاقتصادية هناك، وفقدت في وقت لاحق القدرة على الاتصال بتسعة من أفراد عائلتها. فقد وفدت إلى مصر برفقة ابنتها بحثًا عن مستوى أفضل في الحياة والتعليم. وظلت تتواصل هاتفيًا مع أفراد عائلتها حتى 2020، لكنها بعدئذ فقدت القدرة على التواصل معهم بسبب العنف الدائر في مسقط رأسها. فتوجهت إلى بعثة اللجنة الدولية في القاهرة لمساعدتها في تحديد مكان أفراد أسرتها في إثيوبيا واستعادة الاتصال بهم.

ونجحت اللجنة الدولية في تحديد مكان أحد أفراد عائلة "دريبي" في إثيوبيا، ويسَّرت سبل إجراء مكالمة هاتفية بينهما، واستطاع هذا الشخص من أفراد عائلتها في مساعدة "دريبي" في تحديد مكان بقية أفراد عائلتها، فتمكنت "دريبي" من التحدث إليهم جميعًا عبر الهاتف للمرة الأولى بعد مرور 3 سنوات تقريبًا على انقطاع الاتصال بينهم.