مقال

الأردن: لمّ شمل عائلة بعد فراق دام 18 عامًا

ما شعوركم لو لم تروا أحباءكم أو تسمعوا منهم خبرًا لمدة 18 عامًا؟ كيف سيؤثر ذلك على صحتكم النفسية؟ هل ستتمكنون من التعامل مع الحالة الممزوجة بالخوف والقلق والغموض والشك، وجميع الظروف الناجمة عن هذا الانفصال؟

تلك هي الأوضاع التي عاشها يوسف نزال فلسطيني عراقي وأسرته. وكان الصراع العراقي السبب وراء كل ما عانوه مما دفع بالأسرة للهرب في اتجاهات مختلفة – حيث فرّ يوسف إلى تركيا، بينما توجّهت زوجته بسمة حبوس نزّال إلى الأردن، إذ تمكنت من السفر في عام 2003، وما أن وصلت بسمة وأطفالها الثلاثة إلى مخيم الرويشد للاجئين في الأردن، حتى بدأت رحلة الشقاء حيث بذلوا الكثير من الجهود للتغلب على جميع التحديات البدنية والعاطفية والإدارية التي فرضها الهروب عليهم. وبقيت بسمة في المخيم لمدة 4 أشهر، قبل أن تتوجه إلى محافظة اربد، حيث بدأت بترميم ذاتها رويدًا رويدًا.

استحضرت بسمة تلك اللحظات قائلة: "كانت الحياة صعبة للغاية إذ اضطررت إلى تجسيد دورالأم والأب لأطفالنا الثلاثة، بالإضافة إلى التحديات العديدة التي تعين علي مواجهتها".

من جهة أخرى، لم تكن رحلة يوسف أقل صعوبة، وربما كانت محفوفة أكثر بالتحديات؛ إذ فرّ يوسف أولاً إلى تركيا عام 2006 جوًا، لكن سرعان ما أوقفته السلطات التركية فورهبوط الطائرة، واحتجزته لمدة شهرين للتدقيق الأمني، ليتوجه بعد إطلاق سراحه إلى اليونان برًا ويلاقي فيها ما لاقاه في تركيا، إذ أوقفته السلطات اليونانية لمدة شهرين آخرين للتدقيق الأمني.

قال يوسف وهو يتأمل محنته ورحلته بعيدًا عن العنف والموت والدمار، أنه قرر التوجه إلى دولة أخرى، وهي بلجيكا، ولحسن الحظ: "تحسنت حياتي هنا حيث حصلت على الإقامة والعلاج الطبي الذي كنت بأمس الحاجة إليه بسبب ظرف صحي يتطلب علاجًا طويل الأمد".

يوسف نزال وزوجته بسمة نزال وحفيدتهما مع موظفة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بعد لم شمل الزوج والزوجة بعد 18 عامًا من الفراق


يبدو أن حظه قد تبدل حقًا، ويؤكد ذلك حقيقة تواصله مع الصليب الأحمر البلجيكي الذي تواصل بدوره مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الأردن للمساعدة في العثور على عائلة يوسف. وتمكن يوسف أخيرا من التواصل مع عائلته عبرمكالمة سكايب.

لكم أن تتصوروا حجم السعادة التي غمرت العائلة عند رؤيتهم ليوسف الزوج والأب بعد فراق دام 18 عامًا! ولنتأمل هنا حقيقة أن اثنين من أطفاله الذين حرمهم الصراع العراقي رؤية والدهم قد غدوا هم نفسهم آباء، وغدا يوسف جدًا لأحفاد. عندها سنكون أقدر على الشعور بالفرح اللامتناهي الذي لامس شغاف قلوبهم. والواقع، يوسف وحده الأقدر على وصف هذا الشعور، وأكد قائلًا: "حياتي الآن أفضل بكثير، فأخيرًا وبعد سنوات من لوعة الفراق، اجتمعت وعائلتي من جديد".

هذا التصريح يخفي حقيقة ما كابده يوسف من تحديات صحية طوال هذه السنوات،  لكن حلاوة لم الشمل مع عائلته تحثه للمضي قدمًا في الحياة متسلحًا بمزيد من الثقة والأمل. ويجدر القول، أن قصة يوسف تمثل مبعث أمل وإلهام للعائلات الأخرى الذين انفصلوا عن بعضهم بسبب النزاع المسلح وتؤكد أن حلم اللقاء مع الأحبة ليس بعيد المنال.


تعرفوا على يوسف وأسرته واسمعوا قصتهم على ألسنتهم في هذا اللقاء مع بي بي سي العربية