مقال

التحدث إلى المجتمع: تغيير أنماط السلوك في زمن كوفيد-19

تتطلب الاستجابة لمواجهة حالات طوارئ الصحة العامة تغييراتٍ في الأنماط السلوكية المتكررة. ويتطلب تشجيع هذه التغييرات التنسيق وفهم الثقافة والمجتمعات المتضررة.

خلال مسيرتي في العمل الإنساني على مدى 17 عامًا، شاركتُ في العديد من الاستجابات لمواجهة تفشي الأمراض في جميع أنحاء العالم: الإيبولا ، وحمى لاسا، وحمى الضنك، والآن جائحة كوفيد-19. وقد أثبتت قيادة الاستجابة على المستوى الوطني لمواجهة هذه الجائحة أنها تجربة مجهدة. فكان من الضروري وضع إستراتيجية استجابةٍ موقوتة، ومختبرة تقنيًّا، وملائمة ثقافيًّا.

والدول، في الوقت الحاضر، أكثر ارتباطًا بعضها ببعض مما كانت عليه في فترة الإنفلونزا الإسبانية قبل مئة عام، ما يتيح الفرص أمام تفشي الأمراض بسرعة.

ومع ذلك، أضحى نقل المعرفة أسهل وأسرع. ولكن عندما يتفشى مرض في إحدى الدول أو المناطق أو يتطور إلى مستوى الجائحة، يبدو الأمر كأننا لا نزال نخطو الخطوة الأولى وندخل دائرة التجربة والخطأ، متجاهلين دروسنا السابقة. لقد شاهدت هذا في استجابة سري لانكا لمواجهة كوفيد-19، وفي أماكن أخرى من العالم.

في أثناء العمل من أجل مواجهة أزمة الإيبولا في غرب إفريقيا، تعلمت بعض الدروس المفيدة لإدارة كوفيد-19، خاصة في ما يتعلق بالمساعدة في تغيير السلوك في السياقات المتنوعة ثقافيًّا وعرقيًّا ودينيًّا في العالم النامي.

في هذه المناطق، لا يوجد ما يكفي من دعم لأسس الالتزام بالسلوكيات المرغوبة، إذ تقف الأساطير والممارسات الثقافية والقيادة المحلية عوائق أمام التغيير، بدلًا من أن تكون قوة دفع له.

ومع إعطاء الأولوية لتدابير الوقاية والاحتواء وُصفتْ الممارسات الثقافية المهمة للغاية، مثل طقوس غسل الجثث قبل الدفن، أو ممارسات المجتمعات السرية التي ظلت متأصلة في الثقافات المحلية لعدة قرون، باعتبارها سلوكيات خطرة وتم إيقافها. وكانت "المصافحة الليبيرية المفاجئة"، التي ترجع أصولها إلى وصول الأمريكيين الليبيريين، أول إيماءة يتم إيقافها، تمامًا مثلما توقفت المصافحة اليوم.

في أثناء معالجة مثل هذه السلوكيات الحساسة المتجذرة بعمق في الثقافة المحلية، أظهرت أزمة الإيبولا أهمية فهم نظام المعلومات في المناطق الجغرافية التي أصابها التفشي واستكشاف استراتيجيات الاتصال المناسبة ثقافيًّا مع المجتمعات. وكشف هذا الفهم عن القيمة المضافة لمشاركة المجتمع المحلي التي تستهدف جميع طبقات المجتمع، وبناء الثقة والشراكات مع القادة الرسميين وغير الرسميين.

وهذا يشمل التنسيق الوثيق مع جميع الأشخاص المعنيين، والعمل مع علماء الاجتماع، وإدماج الحماية والنوع الاجتماعي في المعادلة من أجل تيسير التغيير السلوكي المستدام.

يتطلب فهم نظام المعلومات السائد تقييم المشهد المعلوماتي والاحتياجات واستخدام المعرفة وأثرها والإنتاج والحركة وديناميكيات الوصول والثقة الاجتماعية. ويتطلب هذا الفهم وصولًا عبر علم البيئة الاجتماعي بالكامل.

وكلما زاد فهمنا لنظام المعلومات، كان الدعم السلوكي أكثر ابتكارًا وفعالية. ولا يقتصر الابتكار على إدخال "التكنولوجيا الحديثة" إلى المجتمعات، بل تبدأ عملية الابتكار بافتراض أساسي واحد، هو الإنصات أولًا. أيْ أننا بحاجة إلى التواصل مع المجتمعات المحلية مباشرة.

يعد التركيز على البيئة الاجتماعية الخاصة بالفرد أمرًا حيويًا حتى يمكن التعامل مع الحواجز على مختلف المستويات بشكل أفضل ويمكن أيضًا تحديد عوامل التغيير وتعبئتها عند كل مستوى. كان أحد الدروس الرئيسية التي تعلمتُها خلال استجابتنا لفيروس إيبولا أن نهجيْ الانحراف السلبي وتحفيز الحماية أظهرا نتائج في مرحلة الاستجابة، ثم أُدمِج الإنحراف الإيجابي والرسائل القائمة على الفوائد الصحية في مرحلة التعافي.

وينتج عن هذا نهجًا نظريًا شاملا لتغيير السلوك، والذي أظهر نجاحًا في السياق السريلانكي استجابة للجائحة الحالية. وقد ساعد هذا النهج المجتمعات على الالتزام بالسلوكيات المطلوبة بسرعة ومن ثم أدامها فترةً أطول.

من المهم مواجهة المعلومات الخطأ لتجنب زيادة القلق من تفشي المرض، بدلًا من مجرد إغراق الجماهير بالمعلومات. فأحد التحديات غير المتوقعة التي لاحظتُها في مواجهة الإيبولا كانت المعلومات الخطأ حول المرض، كما هي الحال مع كوفيد-19 اليوم. يمكن أن يساعد الحوار المجتمعي قادة المجتمع على فهم التصورات ومعالجة المعلومات الخطأ وتعديل نهجهم وفقًا لذلك.

كما يمكن أن يساعد الحوار أيضًا في الحد من الوصم المرتبط بالمرض وتيسير الاندماج الاجتماعي. وقد أثبت العمل مع علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا والنفس أنه قوة إضافية، خاصة في فهم الفروق الدقيقة المتنوعة بين المجموعات الدينية والعرقية المختلفة وتعديل الرسائل لإحداث تغيير فعال في السلوك.

للمجتمعات دور حيوي في دعم الفحص وإحالة الحالات المشتبه فيها إلى المستشفيات والمتابعة ومراقبة تفشي المرض ومبادرات الاتصال. إن إشراك القيادة المجتمعية النشطة والهادفة في التواصل بشأن المخاطر وفهم المرض والسلوك المطلوب أثبت نجاحًا كبيرًا في سياقات الإيبولا وكوفيد-19.

بالنسبة لأمراض مثل كوفيد-19، حيث غالبًا ما يكون المرض غير مألوف بالنسبة للمجتمعات ولا يعرف ما هو المرض وكيف تتحقق الوقاية منه أو ما علاجه، يجب أن تأتي رسائل تغيير السلوك من مصدر موثوق به. لذلك، من الضروري تحديد مصادر المعلومات الأوثق والأكثر تأثيرًا والتواصل مع المجتمعات من خلال تلك المصادر بطريقة مناسبة ثقافيًّا. في النزاعات والأزمات السياسية، قد تكون المجتمعات متشككة في المنظمات الحكومية أو المنظمات الدولية غير الحكومية بينما قد لا تثق إلا في قياداتها المجتمعية. لذلك، فإن تطوير الثقة في المجتمعات أمر بالغ الأهمية.

يؤثر تفشي الأمراض على الرجال والنساء والأطفال وكبار السن وذوي القدرات الخاصة بطرق مختلفة. و يفاقم الانتماء إلى مجموعة مهمشة فداحة الوضع. وعلى هذا النحو، قد تختلف احتياجات الفرد من تلك المجموعات المهمشة من المعلومات وإمكانية وصوله إلى المعلومات والمصادر التي يمكن أن يثق بها مقارنة بعامة السكان. ولذلك فإن "إدماج الجميع بلا استثناء" هو مفتاح الحل.

وتكفل الشراكات والتنسيق بناء التدخلات على التركيبة السكانية الجديرة بالثقة وتشكيلات السياق، وذلك باستخدام استراتيجيات معتمدة دون تكرار. أيْ أنها تجعل بالإمكان الوصول إلى الأشخاص المتضررين من تفشي المرض بطريقة عاجلة وأكثر فعالية.

إن الأوبئة تتمحور حول السلوك البشري، لذا فإن فهم نظام المعلومات والتواصل مع المجتمعات سيساعد على إحداث تغيير سلوكي مستدام. والجوائح، مثل كوفيد-19، ليست استثناء في ذلك.

في الأصل كتبه براموديث د. روباسينغ، وهو طبيب نفساني سريري يعمل في المجال الإنساني على المستوى الدولي لأكثر من 17 عامًا. يُعرف في الغالب بأنه روائي ومدافع عن اللاجئين، بما في ذلك كتابه البارز "وراء الكسوف - ما لم يسمع به في أزمة إيبولا بغرب إفريقيا "Behind the Eclipse- the unheard from the West African Ebola Crisis".

كما قام بتأليف وشارك في تأليف كتب تتعلق بقطاع المساعدة الإنسانية والتنمية. ويرتبط براموديث حاليًا بالصليب الأحمر السري لانكي كرئيس للعمليات.