مقال

ليبيا: عقدٌ من النزاع يفاقم الاضطرابات النفسية في ظل نقص الخدمات

عامٌ مضى على عودة محمد، 30 عاماً، إلى منزله جنوب طرابلس، لكنه ما زال يتعامل مع الرواسب النفسية التي تركتها تجربة النزوح على صحته النفسية.

"كنت أظنها محنة لن تنتهي" يقول محمد

أصعب شعور واجهته في حياتي هو الخروج من بيتي وشعور أني ثقيل على أقربائي وأصدقائي. أشياء بسيطة ولكن كثيرة لم أكن مقدراً لها مثل الاستحمام بخصوصية وغرفتي التي هي عالمي.

يتذكر محمد أيام النزوح بغصّة، فهو ما زال على حد تعبيره يعاني من "ترسبات نفسية" حتى اليوم " أسوأ شهر مرّ علي في حياتي هو شهر رمضان في النزوح، كانت فترة مريرة. أعتقد أنها كانت كآبة مرضية وليست مجرد مزاجية كما اعتقد أهلي ومن حولي. فقدت شهية الأكل والقدرة والرغبة في ممارسة هواياتي، وكنت أخرج من البيت وألتقي بالأشخاص في سبيل ألا أبقى في البيت لإحساسي أني عبء على أقاربي".

أجبرت سنوات الحرب في ليبيا مئات الآلاف على النزوح. بعضهم من عاد بعد اتفاق وقف النار في أكتوبر العام الماضي، ولكن آلاف آخرين مازالوا غير قادرين على العودة، يعانون يومياً من التبعات المادية والنفسية لبعدهم عن منازلهم.

تقول خلود حمد، أخصائية علاج نفسي في بنغازي، "يعاني الكثير من السكان في مناطق النزاع من اضطرابات نفسية أكثرها شيوعاً القلق، والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة" وتضيف، "رغم الحاجة الملحة في ليبيا لوجود خدمات صحة نفسية متخصصة، إلا أننا للأسف نفتقر لهكذا خدمات."

تقدّر منظمة الصحة العالمية أن شخص من بين كل سبع ليبيين، أي ما يقارب مليون شخص، بحاجة لرعاية نفسية في ليبيا. ولكن للأسف خدمات الصحة النفسية في ليبيا شبه معدومة.

يقول محمد أنه لم يذهب لاستشارة طبيب أو معالج نفسي "لأنّي لا أعرف الطريقة وماإذا كان متوفر،  وحتى لو كنت أعرف، لا أعتقد بأني كنت سأذهب. أن أذهب وأدفع المال للتكلم عن مشاعري التي كان يمر بها أهلي وأسرتي والآلاف مثلي كانت "رفاهية" لم أكن لأتحملها."

يعتبر النزاع والظروف الأمنية ونقص الخدمات الأساسية من العوامل الرئيسية المساهمة في اضطرابات الصحة النفسية في ليبيا. بالإضافة إلى ذلك، أدى انتشار جائحة كوفيد-19 إلى زيادة مستويات القلق والضعف والضغط النفسي بين جميع شرائح السكان، في ظل صعوبة في الوصول إلى مراكز الرعاية الصحية الأولية، التي تعتبر مدخلاً لإحالة المرضى إلى خدمات الصحة النفسية المتخصصة.

تقول خلود حمد "لا بد من التوعية بالصحة النفسية وتعزيز الوصول إلى الخدمات المتخصصة وزيادة عدد الاختصاصيين  وتحسين نظام الإحالة."

بالنسبة لمحمد، الذي عاد هو وعائلته إلى منزلهم الذي ما زالوا يتابعون صيانته، فإنه يعتقد أن حاله اليوم أفضل من آلاف غيره، ويضيف "أتمنى ألا يعيش أحد مأساة مثل مأساتي وأرجو أن تنتشر ثقافة الصحة النفسية أكثر فأنا أدرك أنها ليست ضعفا ورؤية طبيب مختص ليس عيباً".