مقال

مؤتمر المناخ السابع والعشرون: اللجنة الدولية تدعو إلى تعزيز العمل المناخي في مناطق النزاع

يهدد تغير المناخ والتدهور البيئي بقاء الإنسانية، ولا مناص عن بذل جهود سياسية موسعة وعاجلة لتخفيف آثار تغير المناخ وتفادي العواقب المدمرة التي قد تلحقها هذه الأزمة بالسكان والبيئة. فحتى لو نُفذت التدابير الطموحة لتخفيف تلك الآثار، ستستمر الوطأة الشديدة للاضطراب البيئي على حياة السكان لأجيال عديدة. وهنا يكتسب توسيع نطاق أنشطة التكيف المناخي وزيادة التمويل المناخي الأهمية ذاتها لدعم هذه التدابير والحد من الآثار الإنسانية لتغير المناخ.

تعتبر البلدان التي تعاني نزاعات وحالات عنف أخرى – تنتمي أغلبيتها العظمى إلى أقل بلدان العالم نموًا – الأشد عرضة لأضرار الأزمة المناخية، في ظل الضعف الشديد لقدرتها على التكيف مع تغير المناخ من جراء الخراب الذي تجلبه الحروب على المجتمعات. وهو ما يمنحها الأولوية، ولو نظريًا، في العمل المناخي لما تعانيه من مظاهر ضعف حاد وقيود شديدة تحد من قدرتها على مواجهة المخاطر. لكن الحال الواقع يبين أن البلدان التي تعاني نزاعات تسقط من الحسابات عند تخصيص التمويل الضروري للعمل المناخي. وتكيف العمل المناخي في هذه المناطق عنصر بالغ الأهمية للحد من الاحتياجات الإنسانية، والحفاظ على المكاسب التنموية وتجنب انهيار النظم ودوام الأوضاع الهشة.

وتحث اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية)، قبيل انعقاد المؤتمر، الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والهيئات الإدارية لمؤتمر الأطراف في الاتفاقية، بالتعهد بثلاثة التزامات تضمن عدم التخلي عن السكان الذين يعيشون في ظل نزاعات:

1- الإقرار بأن البلدان المنكوبة بالنزاعات هي الأشد عرضة للمخاطر المناخية بسبب محدودية قدرتها على التكيف مع هذه الظواهر المستجدة.

تعهد المجتمع الدولي بالتزامات تنص على تقديم الدعم للبلدان شديدة العرضة لمخاطر تغير المناخ، وتقع معظم الدول التي تكابد نزاعات مسلحة ضمن هذه الفئة. بل واقع الحال أن الغالبية العظمى من الدول الأشد عرضة لمخاطر تغير المناخ والأقل استعدادًا للتكيف معه غارقة في أتون النزاعات. لا تكمن علة ذلك في أن تغير المناخ يسبب اندلاع النزاعات بشكل مباشر. وإنما لأن تغير المناخ يفاقم الاحتياجات الإنسانية الناجمة عن النزاعات، بينما يزيد النزاع من حدة هشاشة المؤسسات والخدمات الأساسية والبنية التحتية والحوكمة، وهي أمور لا غني عنها لمساعدة السكان على الصمود أمام تغير المناخ والتكيف مع ظواهره. ولن يُفسَح الطريق أمام تكثيف التركيز على مسارات لمعالجة الاحتياجات بأسلوب مستدام وضمان تنفيذ العمل المناخي في هذه المناطق بصورة ملائمة وعاجلة، إلا بالإقرار الواعي والصريح بوجود هذا النمط المتفرد من الضعف.

ومن ثم، فإننا نحث أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ على:

  • الإقرار بهذا النمط الفريد من الضعف في مواجهة المخاطر المناخية في البلدان والمجتمعات المحلية التي تكابد النزاعات، ولفت الانتباه إليه على اعتبار أن ذلك خطوة ضرورية في طريق تنفيذ العمل المناخي الملائم في تلك المناطق.

2- ضرورة الوفاء بالالتزامات الدولية بتعزيز العمل المناخي في البلدان المعرضة لتغير المناخ بصفة خاصة، ما يستدعي تعزيز العمل المناخي في البلدان التي تعاني نزاعات وحالات عنف.

ويشهد الدعم المقدم للمجتمعات المحلية لإعانتها على التكيف مع تغير المناخ ضعفًا شديدًا في مناطق النزاعات، لما تواجهه البرامج طويلة الأجل من تحديات في هذه البيئات. فقد وافقت الدول المتقدمة في الاتفاقية الإطارية واتفاق باريس على تقديم الدعم في شكل تمويل وخبرات فنية للبلدان المتضررة، التي يعاني العديد منها نزاعات مسلحة وحالات عنف إلى جانب آثار تغير المناخ، لا سيما البلدان الأقل نموًا والدول الجزرية الصغيرة النامية والبلدان الأفريقية. وتزامنًا مع ذلك، ارتكزت أهداف التنمية المستدامة على التزام محوره عدم التخلي عن أي أحد. والوفاء بهذه الالتزامات يتطلب اتباع نُهج مُعدَّة خصيصًا لتمهيد سبل الوصول إلى سكان المناطق المضطربة وتقديم الدعم لهم بما يعزز قدرتها على الصمود أمام تغير المناخ والتكيف معه.

ومن ثم، فإننا نحث أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ على:

  • تكثيف جهودها المبذولة لتعزيز العمل المناخي في البلدان المتضررة من النزاعات، وبالأخص من خلال تعزيز المعارف والممارسات في إطار الاستعداد لظواهر تغير المناخ في هذه المناطق، والتصدي لها وبناء القدرة على الصمود في مواجهة الخسائر والأضرار الناجمة عن تلك الظواهر. 
  • ضمان عدم اقتصار العمل المناخي على البلدان المنكوبة بالنزاعات، وإنما امتداد مظلته لتشمل المجتمعات المحلية الأشد ضعفًا، حتى لو كانت تقطن في مناطق غير مستقرة ويصعب الوصول إليها. وضرورة تشجيع الأنشطة النابعة من المجتمعات المحلية للتكيف مع تغير المناخ والحد من مخاطر الكوارث، تعضيدًا للجهود المبذولة على المستوى المركزي. 
  • التصدي للانقسامات الهيكلية والانعزال في العمل داخل المنظمات، حيث يحول ذلك دون تنفيذ أنشطة مدروسة للعمل المناخي تأخذ في الاعتبار حالة النزاع القائمة.

3- ضمان توفير دعم كافٍ للعمل المناخي عن طريق التمويل المناخي الملائم لهذا الغرض.

يعتور التمويل المناخي اختلالان خطيران يحدان بشدة من آفاق العمل المناخي الملائم في البلدان الهشة والمتضررة من النزاعات. أولها هو التفاوت الملحوظ بين توفير التمويل للبلدان المستقرة متوسطة الدخل وأقل بلدان العالم نموًا، وهي الفئة التي تقع فيها معظم البلدان المتضررة من النزاعات وحالات العنف. ورغم الالتزام الذي ينص عليه اتفاق باريس برفع الدعم المقدم بين عامي 2016 و2020 إلى أقل البلدان نموًا، لم تتلقَ تلك البلدان سوى 17 بالمائة من إجمالي التمويل المخصص من جانب منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، بينما استأثرت البلدان متوسطة الدخل بنسبة 70 بالمائة من التمويل المناخي كافةً (ولم يذهب سوى 22 بالمائة من التمويل إلى الـ 57 دولة التي تدخل ضمن فئة الدول الهشة بحسب المنظمة المذكورة).

وحتى داخل فئة أقل البلدان نموًا، لا يتوزع التمويل بشكل عادل، حيث يُوجَّه أقل القليل إلى البلدان الأشد هشاشة. كما أن التمويل المناخي داخل البلدان ذاتها لا يصل غالبًا إلى المناطق المتضررة من النزاعات، وخصوصًا إذا كانت تلك الأقاليم خارج سيطرة الدولة، ما يعني إقصاء ملايين البشر من هذا التمويل. يعكس ذلك الحال الواقع بأن المناطق المتضررة من النزاعات داخل كل بلد تُستبعد من مظلة الدعم في أكثر الأحيان عزوفًا عن المخاطرة، بل إن جزءًا بسيطًا من التمويل المناخي الدولي يذهب إلى العمل على المستوى المحلي. ورغم أن الدول الأطراف في اتفاق باريس تعهدت بضمان تحقيق توازن أكبر بين التمويل المخصص للتكيف مع تغير المناخ والتمويل المخصص لتخفيف آثار تغير المناخ، ما يزال التمويل المخصص للتكيف المناخي أدنى بكثير. ولسد تلك الفجوة في التمويل المناخي، ثمة حاجة إلى بذل جهود دؤوبة لتنقيح المعايير الحالية لتوجيه التمويل المناخي ومنهجيات تقييم المخاطر، كما أن الضرورة تملي تطوير الوسائل المخصصة للعمل في المناطق المتضررة. فمن الأهمية بمكان، عند مناقشة الخسائر والأضرار، ضمان عدم بروز فجوات تمويلية من هذا القبيل.

ومن ثم، فإننا نحث أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ على:

  • مراجعة المعايير الحاكمة لآليات التمويل لضمان ألا تؤدي نزعة العزوف عن المخاطرة إلى حرمان ملايين البشر من الدعم الضروري في تلك الظروف، والنظر في إنشاء نوافذ تمويل متخصصة تتيح تدشين برامج خاصة مهمتها الوصول إلى المجتمعات المحلية النائية والأشد ضعفًا.
  • إرشاد آليات التمويل إلى السياسات واللوائح التنظيمية التي تسمح بقدر معقول من المرونة، لتمهيد سبل العمل في المناطق الهشة والمتضررة من النزاعات.
  • إتاحة تقديم التمويل للتكيف المناخي على مستويات متعددة تشجيعًا للمشاريع الكبيرة والصغيرة على حد سواء، بما يلبي الاحتياجات النوعية في كل سياق من السياقات. وإفساح الطريق أمام شركاء متنوعين لإنجاز الأعمال المطلوبة في مناطق النزاع، عن طريق تبسيط عمليات الحصول على التمويل، وتقديم الدعم للأطراف الفاعلة التي تحوز على القدرة والتفويض والخبرة الفنية للعمل في المناطق المتضررة من النزاعات، بما يمكنها من استكشاف الفرص المتاحة للحصول على الدعم.

ICRC's calls ahead of COP27

تنزيل
ملف PDF
871.67 KB