مقال

مصر: التغلب على جائحة كورونا وضمان التوزيع العادل للقاحات كوفيد-19

خطاب رئيس بعثتنا في القاهرة جيروم فونتانا ضمن مؤتمر "حقوق الإنسان.. بناء عالم ما بعد الجائحة"

أصحاب السعادة،

السيدات والسادة،

دخلنا عامنا الثاني في ظل جائحة كوفيد-19 التي لا تزال محتدمة في جميع أنحاء العالم دون تمييز. ولا يزال تأثير الجائحة ملموسًا على المجتمعات وحرية التنقل والاقتصادات وأخشى أن نواجه سنة ثانية أكثر صعوبة بالنظر إلى مدى انتشار الفيروس في ظل انتشار المزيد من السلالات المتحورة من الفيروس.

فنحن جميعًا نواجه الجائحة بطريقة أو بأخرى. إذ فقد البعض أفرادًا من عائلاتهم، بينما فقد آخرون وظائفهم أو عانوا من مشكلات تتعلق بالصحة النفسية نتيجة الفيروس الذي يستمر في اجتياح جميع بقاع العالم دونما تمييز.

 لم تدع الجائحة أحدًا إلا مسّته، لكن وقعها على حياة الناس يتفاوت. فعلى سبيل المثال، شكلت جائحة كوفيد-19 تهديدًا جديدًا ومرعبًا للناس الذين يعيشون في مناطق نزاع، فاقم وضعهم المتردي بالفعل.

 وفي مواجهة التهديدات المباشرة لحياة البشر، من أسلحة نارية وقصف وتفجيرات و/أو نقص في الرعاية الصحية المنقذة للحياة، فإن تحديد أولويات الإجراءات التي من شأنها أن تحول دون انتشار كوفيد-19 يمثل تحديًا حقيقيًا. وتعتبر التدابير الوقائية، مثل التباعد الاجتماعي وغسل اليدين، من قبيل الترف في بعض الحالات مثل مخيمات النزوح. ومن الأمثلة على ذلك سورية واليمن.

 لقد أنهكت سنوات النزاع في سورية واليمن السكان وتركتهم معرضين بشدة لخطر الإصابة بأمراض مثل كوفيد-19. وتكافح نظم الرعاية الصحية المتدهورة في هذه البلدان للتعامل مع واقع مرعب آخر.

 لقد أثقلت جائحة فيروس كوفيد-19 كاهل بعض نظم الرعاية الصحية الأكثر تقدمًا في العالم، ناهيك عن المستشفيات في مناطق الحرب. إذ أدى نصف عقد من الحرب في اليمن إلى توقف أكثر من نصف مرافق الرعاية الصحية في البلاد. وبالمثل في سورية، حيث نصف مرافق الرعاية الصحية إما خرج من الخدمة أو يعمل بشكل جزئي.

 واستجابة لهذا الوضع غير المسبوق، أجرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) عملية إعادة توجيه رئيسية لأنشطة المساعدة التي تقدمها، لتكييف عملها الحالي مع الواقع الجديد. ففي سورية، التي تشهد أكبر عمليات اللجنة الدولية على مستوى العالم، وزعت اللجنة الدولية مجموعات من مستلزمات النظافة الصحية على النازحين داخليًا وساعدت السجناء من خلال تدابير مكافحة العدوى. أما في اليمن، فقد أنشأت اللجنة الدولية، بالتعاون مع شركائها في الحركة، مركزًا مجانيًا لعلاج حالات الإصابة بكوفيد-19 في مدينة عدن.

لكن من الواضح أن الوضع في مصر مختلف. إذ تتميز بوضعٍ فريد، ولا توجد دولة تضاهيها. اسمحوا لي أن أقتبس هنا ما كتبه شاعر مصري هاوٍ اسمه محمد سقاطي في عام 2013: "ليس بين الأمم مثلك في العظمة والقوة والسمو.. أنت دومًا أمنا الحبيبة أنت دومًا مصر العظيمة.. أنت دومًا أمتنا النبيلة مصر العظيمة أمنا الجميلة أمنا الحبيبة"

ولا تخلو قيادة بلدٍ يتجاوز عدد سكانه الـ 100 مليون نسمة من تحديات، ومع ذلك فقد أظهرت السلطات المصرية قدرة قوية على مواجهة جائحة كوفيد-19 بكل عزم وتصميم. وتشعر اللجنة الدولية بامتنانها لما قدمته من إسهام في هذه الاستجابة كلما دعت الحاجة لتوفير كميات كبيرة من المعدات/الملابس الواقية وغيرها من المعدات لنظام الرعاية الصحية الوطني والهلال الأحمر المصري. وقد بدأت الآن مرحلة جديدة مع إطلاق لقاحات كوفيد-19 التي يسعدنا دعمها أيضًا حتى يجري تطعيم جميع المصريين أينما كانوا وبغض النظر عن إمكانياتهم.

وكما نرى، فإن الجائحة وعواقبها حول العالم لم تنته بعد. إذ تفاقمت التحديات الإنمائية على المدى الطويل إلى جانب الفقر والحروب والعنف والتأثير المتزايد لتغير المناخ من جراء الآثار المباشرة وغير المباشرة لجائحة كوفيد-19.

ومن الأهمية هنا الإشارة إلى أن السيطرة على هذا الفيروس لن تكون ممكنة إلا إذا جرى إشراك الجميع في جهود التلقيح. ويُظهر انتشار جائحة كوفيد-19 أن أحدًا لن ينعم بالحماية ما لم ينعم بها الجميع، وبالتالي يشكل الحصول على اللقاحات على نحو منصف ضرورةً لوضع نهاية لهذه الجائحة.

وندعو الدول إلى الالتزام بالحصول على اللقاحات على نحو منصف الآن من خلال دعم جهود اللقاحات العالمية وإعداد خططها الوطنية الخاصة لتوزيع اللقاحات، واستهداف الفئات الأكثر عرضة للخطر أولاً.

وتشكل جائحة كوفيد-19 أزمة عالمية تتطلب استجابة عالمية وتضامنًا عبر الحدود. ونظرًا لأن اللقاحات تبعث على الأمل في وضع نهاية لهذه الجائحة، يجب أن تسود روح التضامن العالمي: لا ينبغي إغفال أحد.

وإذا لم تُبذل جهود جماعية لضمان حصول جميع البشر على اللقاحات على نحو منصف، ومن بينهم الفئات الأكثر استضعافًا، فحينها سنتعرض لخطر الفشل في مواجهة الجائحة، فلا أحد منا في مأمن ما لم ننعم جميعا بالأمان.

شكرًا لكم