بيان

عمليات حفظ السلام :بيان اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 2015

نقاش عام بشأن عمليات حفظ السلام من كافة جوانبها [البند رقم 56]

الجمعية العامة للأمم المتحدة الدورة السبعون، اللجنة الرابعة، تشرين الثاني/نوفمبر 2015

يُمثل العام الحالي منعطفاً بالنسبة لعمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام، وتود اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن تعرب عن تقديرها البالغ للطابع الشامل الذي اتسمت بها عمليات الفريق المستقل الرفيع المستوى المعني بعمليات الأمم المتحدة للسلام وما تلاها من تقارير الأمين العام للأمم المتحدة. وتؤكد اللجنة الدولية استعدادها لمواصلة إسداء المشورة للجهات المعنية الرئيسية في مجالات خبرتها خلال المرحلة التالية من مراحل عملية إدخال الإصلاحات على عمليات حفظ السلام.

وتتمتع اللجنة الدولية بصفتها منظمة إنسانية محايدة وغير متحيزة ومستقلة تُعنى بحماية ضحايا النزاعات المسلحة وتقديم المساعدة لهم، بوجود متواصل في سياقات تضطلع فيها الأمم المتحدة بعمليات لحفظ السلام. وبينما يمكن أن يكون لكل منا مهام وولايات واضحة المعالم، فإن العمليات الإنسانية التي ننفذها تواجه في كثير من الأحيان تحديات متماثلة من قبيل طول أمد النزاعات المسلحة، والبيئات المحفوفة بالمخاطر التي يعمل بها موظفونا، والتحديات المستمرة التي تعترض سبيلنا من أجل الوصول إلى الأشخاص المحتاجين للمساعدة. وعلاوة على ذلك، يُعهد إلى عمليات الأمم المتحدة للسلام أيضاً بولايات معقدة ومتعددة الأبعاد تتضمن تنفيذ مهام عديدة منها "حماية المدنيين"، واستخدام القوة والوساطة وتوطيد سيادة القانون، وضمان الحصول على الخدمات الأساسية، على سبيل المثال لا الحصر.

وفيما يخص استخدام القوة، لاحظنا في السنوات الأخيرة أن عمليات حفظ السلام الراهنة تتطلب بشكل متزايد من عناصر الشرطة والقوات المسلحة اللجوء إلى القوة. وقد سلط الاستعراض الذي أجراه الفريق الرفيع المستوى الضوء بالنسبة لتلك المسألة لا سيما على حقيقة مفادها أن بعض مهام الردع المسندة لقوات الأمم المتحدة تعرض تلك القوات والبعثة برمتها لخطر التورط كطرف في النزاع المسلح. ويُكلّف حفظة السلام الأمميون – من قوات الجيش والشرطة على حد سواء – على نحو مطّرد أيضاً بمهام لإنفاذ القوانين بشكل بحت في سياق مهمة حفظ السلام التي يضطلعون بها. وتؤكد اللجنة الدولية مجدداً، مع أخذ تلك المسألة في الحسبان، أهمية توضيح واستيعاب الإطار القانوني الذي يحكم استخدام القوة في أي سياق معين لعمليات حفظ السلام الأممية، بحيث يشمل هذا التوضيح تحديد الحالات التي ينطبق فيها القانون الدولي الإنساني وكيفية تطبيقه على أي بعثة من بعثات الأمم المتحدة، ولا سيما عندما توكل إليها مهمة للردع.

وتذكّر اللجنة الدولية في هذا الصدد أن انطباق القانون الدولي الإنساني على القوات التابعة للأمم المتحدة، شأنها في ذلك شأن أية قوات مسلحة أخرى، يتحدد من خلال الحقائق الموضوعية على الأرض، بغض النظر عن الولاية التي يمنحها لها مجلس الأمن أو عن المسمى المستخدم للإشارة إلى الطرف المقابل أو الأطراف المقابلة. ويُطبَّق القانون الدولي الإنساني دون أي تمييز ضار عندما تُستوفى الشروط اللازمة لانطباقه، بغية حماية جميع الأشخاص المتضررين من النزاعات المسلحة. ولا تغير طبيعة النزاع المسلح ولا الأسباب التي تسوقها أطراف النزاع لتبريره من حقيقة أن القانون الدولي الإنساني يحكم إبان انطباقه انخراط تلك الأطراف في النزاع المسلح طالما استمرت في كونها أطرافاً في النزاع.
تلفت اللجنة الدولية الانتباه إلى قضية مهمة لم يتناولها تقرير الفريق المستقل وهي أن بعثات الأمم المتحدة تلجأ على نحو متزايد إلى احتجاز أفراد من المحتمل أن يكونوا قد ارتكبوا أفعالاً إجرامية تحت طائلة القانون العام أو حرموا من حريتهم عن طريق الاحتجاز أو الاستسلام لأسباب تتعلق بنزاع مسلح مازال دائراً، بما في ذلك تمهيداً لإحالتهم إلى المحكمة الجنائية الدولية. وتقر اللجنة الدولية أن هذا المنحى يثير تحديات عملية وقانونية جمة ذات طابع معقد. ونؤكد أن أماكن الاحتجاز يجب أن تُدار وفقا للقانون الدولي وللمعايير الدولية ذات الصلة والمعمول به، شاملة القانون الدولي الإنساني. وقد رحبت اللجنة الدولية في هذا الصدد بالجهود التي بذلتها الأمم المتحدة لتحديد إطار يحقق هذه الغاية، لا سيما من خلال وضع إجراءات تشغيل قياسية مؤقتة بشأن الاحتجاز أثناء عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام لعام 2010، بالإضافة إلى إجراءات أخرى وضعت خصيصاً لتتوافق مع سياقات محددة. وتشجّع اللجنة الدولية على تطبيق تلك الإجراءات ووضعها حيز التنفيذ بالكامل، لا سيما ما يخص معاملة كافة المحتجزين معاملة إنسانية، واحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية عند النظر في نقل أفراد وقعوا تحت سيطرة بعثات الأمم المتحدة.

ويتحتم أيضاً من أجل تلبية هذه الاحتياجات تجهيز عمليات الأمم المتحدة للسلام بشكل كافٍ وملائم وإعداد ميزانيتها وبنيتها الأساسية وقدرتها اللوجستية وتزويدها بموظفين مدربين. ويقع على عاتق الدول الأعضاء التزام أساسي بضمان توفير تدريب كافٍ وملائم للمشاركين في عمليات السلام الأممية. وستواصل اللجنة الدولية بصفتها الجهة المعنية بتعزيز القانون الدولي الإنساني والقيّمة عليه، عرض دعمها وخبرتها من أجل تدريب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة قبل نشرها وفي مواقع عملها، من خلال وسائل عدة منها لفت الانتباه إلى نشرة الأمين العام للأمم المتحدة لسنة 1999 حول التزام قوات الأمم المتحدة بالقانون الدولي الإنساني. وتُبدي اللجنة الدولية استعدادها في السياقات التي تنفذ فيها بعثة الأمم المتحدة إجراءات تصحيحية دعماً للسلطات الوطنية، للتنسيق مع مستشاري الأمم المتحدة بغية التأكد من أن الجهود التي يبذلها كل منهما مكملة للآخر، ولمناقشة وقائع السياق على الأرض بغية تحقيق الاستدامة والاستمرارية. وتعتبر اللجنة الدولية اتفاقات نقل المحتجزين المبرمة بين بعثات الأمم المتحدة والدول المضيفة أداة قد تكون ضرورية لحماية المحتجزين والمساعدة على ضمان شرعية تسليمهم للسلطات الوطنية.

تُخوّل عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام على نحو متزايد باتخاذ كافة التدابير اللازمة لحماية السكان المدنيين في إطار عملياتها، من خلال ضمان امتثال أطراف النزاع للقانون الدولي الإنساني. وقد أكد الفريق الرفيع المستوى وأكدت أيضاً تقارير الأمين العام هذا الطموح الجماعي لحماية المدنيين باعتباره مبدأ أساسياً من مبادئ القانون الدولي الإنساني ومسؤولية أخلاقية تنهض بها الأمم المتحدة. وترى اللجنة الدولية استناداً إلى ما تلاحظه أثناء عملها الميداني أن هذه الاستنتاجات هي وسيلة آنية مناسبة لتفعيل الالتزام باحترام وكفالة احترام القانون الدولي الإنساني المنصوص عليه في المادة 1 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 في العمل الميداني. وإن الدور المحدد الذي تقوم به بعثة الأمم المتحدة على سبيل المثال، من خلال الحوار الذي تجريه مع السلطات السياسية الرفيعة المستوى ومع القوات المسلحة التي تدعمها، يضعها في مرتبة فريدة تمكّنها من الوفاء بالتزامها بكفالة احترام القانون الدولي الإنساني، وخاصة فيما يتعلق بالاحترام الواجب لحماية المدنيين أثناء التخطيط للعمليات العسكرية والاضطلاع بها. وتكون بعثة الأمم المتحدة في تلك الظروف لا سيما في وضع جيد يؤهلها لممارسة نفوذها قدر المستطاع، من أجل وضع حد لانتهاكات القانون الدولي الإنساني التي تُرتكب بالفعل والحيلولة دون وقوع مخالفات لهذا القانون أو تكرارها.

وتؤيد اللجنة الدولية تأكيدات الفريق الرفيع المستوى أن المنظمات الإنسانية تقوم بدور أساسي وضروري - وإن كان ذا طابع مكمل - في حماية المدنيين، وأن التنسيق في الوقت المناسب، حيثما كان مواتٍ ، بين تلك المنظمات وحفظة السلام أمر لا غنى عنه. بيد أن هذا التنسيق لا ينبغي أن يؤثر على أسلوب عمل المنظمات الإنسانية المستقلة وغير المتحيزة ولا على التصور السائد عنها بأن عملها يتفق مع تلك المبادئ. ويجب أن تكون الأدوار والمسؤوليات المحددة المنوطة بكل طرف مفهومة على نطاق واسع داخل المجتمعات المحلية التي توجد بها.

وتدرك اللجنة الدولية أيضاً التركيز الذي توليه التقارير المذكورة أعلاه على ضرورة قرب عمليات حفظ السلام من المجتمعات المحلية. ونحن نقر أن أفراد القوات المسلحة والساسة والعاملين في المجال الإنساني والموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين يحتاجون إلى البقاء على مقربة من السكان إذا كانوا يعتزمون حمايتهم. ولا بد في الوقت نفسه من تقييم مدى ما يشكله الارتباط الوثيق – إن وجد- في بعض السياقات مع بعثة من البعثات متعددة الأبعاد من مخاطر شخصية على الأفراد في المجتمعات المحلية. وإذا كان الحال كذلك، فإن تطبيق مبدأ "لا ضرر ولا ضرار" يُعتبر عاملاً حاسماً للتخفيف من حدة تلك المخاطر. ويتمثل أحد الخيارات في اللجوء إلى موظفين مدنيين للتواصل مع المجتمعات المحلية.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى المعايير المهنية التي وضعتها اللجنة الدولية لأنشطة الحماية ونُشرت في عام 2013. فتلك المعايير، التي تعكس إجماعاً في الرأي بين معظم الهيئات الإنسانية والمؤسسات المعنية بحماية حقوق الإنسان، تتناول من جملة أمور العلاقة بين بعثات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، وتقدّم التوجيه اللازم بشأن توزيع المسؤوليات، وتُعتبر معياراً مهماً للتفاعل المجدِ بين مختلف الوكالات والمنظمات العاملة في مجال الحماية. وبينما يمضي استعراض عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة نحو مرحلة التنفيذ، يحدونا الأمل في أن تشكّل هذه المعايير المهنية نبراساً تسترشد به عمليات السلام الأممية في وضع استراتيجيات حماية المدنيين وتنفيذها، من جملة أهداف أخرى.
تجدد اللجنة الدولية بموجب هذه الوثيقة التزامها بالحفاظ على حوار بناء للغاية ومواصلة هذا الحوار مع الأمم المتحدة في نيويورك أو في الميدان على حد سواء بشأن قضايا العمل الميداني والحماية والمسائل القانونية ومسائل التدريب ذات الصلة بعمليات السلام الأممية. وتبدي اللجنة الدولية أيضاً أتم الاستعداد للدخول في حوار صريح ومفتوح حول هذه القضايا الهامة مع الدول الأعضاء، لا سيما البلدان التي تساهم في عمليات السلام بقوات من الجيش والشرطة، والدول الأعضاء في مجلس الأمن واللجنة الخاصة المعنية بعمليات حفظ السلام.