مقال

دور اللجنة الدولية في مساعدة المهاجرين

تشكل الهجرة ظاهرة عالمية معقدة. فعدد المهاجرين في العالم يزيد على 230 مليون نسمة، وتتجاوز الطرق التي يسلكونها الحدود والمناطق الجغرافية. وأسباب الهجرة كثيرة ومتنوعة، وغالبًا ما تنطوي على مزيج من عوامل الشدِّ والجذب. ويمكن لأي سبب كان أن يصبح المهاجرون مستضعفين في مراحل كثيرة من رحلة سفرهم من بلدانهم الأصلية، عبر بلدان أخرى في كثير من الأحيان، إلى وجهتهم المنشودة.

ومع أن الكثير من المهاجرين يصلون بسلام إلى البلدان التي قصدوها ويندمجون في المجتمعات المحلية الجديدة، يتحمل آخرون مشقات جمَّة يمكنها أن تضرَّ بالسلامة الجسدية للمهاجرين وعائلاتهم وصحتهم العقلية ورفاههم. وكثيرًا ما يمر المهاجرون عبر مناطق تدور فيها نزاعات مسلحة أو حالات عنف أخرى حيث يمكن أن يَعلَقوا. ويُتَّخَذون طوال مسيرتهم هدفًا سهلًا لإساءة المعاملة والاستغلال، ويواجهون مخاطر أخرى لا تُحصى. ويفقد بعض المهاجرين الاتصال بعائلاتهم؛ ويعاني الكثيرون من حوادث أو أمراض خطيرة ولا يستطيعون الحصول على الرعاية الطبية؛ ويُحتجز مهاجرون آخرون بسبب الدخول إلى بلد ما أو البقاء فيه بصورة غير شرعية. بل إن مهاجرين آخرين يقابلون بالتمييز عندما يلتمسون المساعدة. ويموت أو يختفي سنويًّا آلاف المهاجرين على طول طريق الهجرة، تاركين عائلاتهم تنتظر بقلق الحصول على أجوبة بشأن مصيرهم. وهؤلاء المهاجرون الضعفاء هم الذين تسعى اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى مد يد المساعدة لهم. 

لا تشجِّع اللجنة الدولية للصليب الأحمر الهجرة أو تثبطها، وإنما ينصبُّ تركيزها على مساعدة أشد المهاجرين ضعفًا، بصرف النظر عن مركزهم القانوني. وتكيِّف اللجنة الدولية أنشطتها وفقًا لاحتياجات المهاجرين وجوانب ضعفهم، وكذلك وفقًا للموقع الجغرافي

نهجنا

بالنظر إلى طبيعة الهجرة العابرة للأقاليم، تعتمد اللجنة الدولية وبقية مكونات الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر على حضورها على طول طرق الهجرة لزيادة فهم احتياجات المهاجرين المستضعفين الضعفاء والمساعدة على سد الفجوات القائمة بشأن الحماية والمساعدة. ويُنفذ عمل اللجنة الدولية لصالح المهاجرين الضعفاء وعائلاتهم في معظم الأحيان في المناطق المتضررة من النزاعات المسلحة أو حالات العنف الأخرى. وتسعى اللجنة الدولية إلى العمل مع الدول التي تتحمل المسؤولية الرئيسية عن ضمان سلامة جميع الموجودين على إقليمها أو الخاضعين لولايتها القضائية، بصرف النظر عن وضعهم كمهاجرين. وتقر اللجنة الدولية بأن حجم الاحتياجات الإنسانية يستلزم تعاونًا فعَّالًا في سبيل تلبية احتياجات هؤلاء المهاجرين المستضعفين. وتُولى العناية لحضور الجهات الفاعلة الأخرى وقدراتها، وتُرسى أسس التعاون مع الجهات الفاعلة التي تملك خبرة في العمل مع المهاجرين. ومن شأن هذا التنسيق، داخل الحركة وخارجها على حد سواء، مع المجتمع المدني والأوساط الإنسانية الأوسع نطاقًا أن يشكل جزءًا لا يتجزأ من عمل اللجنة الدولية.

حماية المهاجرين

تسعى اللجنة الدولية إلى ضمان أن تفيَ الدول بما عليها من التزامات بحماية أرواح المهاجرين الضعفاء وصون كرامتهم وتخفيف معاناتهم. وتحقيقًا لهذه الغاية، نخاطب جميع السلطات المعنية بطريقة مباشرة وسرية. كما نحاول إذكاء الوعي بالقانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الإنسان، وقانون اللاجئين، والقواعد والمعايير الأخرى المنطبقة، ونوجه الانتباه إلى المسائل التي تثير قلق المهاجرين. وسعيًا إلى زيادة فهم الهجرة والاستضعاف الذي يواجهه المهاجرون، نعزز أيضًا تبادل الخبرات مع المؤسسات البحثية. وتعتمد هذه التبادلات على خبرتنا الجمعية ونستخدم البحوث القائمة على الأدلة للمساهمة في المناقشة وتعميق تحليل هذه المسائل. وعلاوة على ذلك، نتخذ إجراءات من أجل مساعدة المهاجرين ومجتمعاتهم كي يصبحوا أكثر قدرة على الصمود. ونساعد على الحد من جوانب ضعفهم وتخفيف معاناتهم بإسداء المشورة وتقديم الدعم المادي.

الأنشطة المخصصة للمهاجرين المحتجزين

تزور اللجنة الدولية المهاجرين المحتجزين في كل من مرافق الاحتجاز الجنائي ومرافق الاحتجاز المخصصة للمهاجرين. ونقيِّم خلال هذه الزيارات ما إذا كانت تتاح للمحتجزين محاكمات وفق الأصول القانونية، وما إذا كانوا يتلقون معاملة إنسانية ويحتجزون في ظروف تصون كرامتهم. ونقيِّم أيضًا ما إذا كانوا يستطيعون البقاء على اتصال بالعالم الخارجي، مثل الاتصال بعائلاتهم والسلطات القنصلية، إذا أرادوا ذلك. وبالإضافة إلى ذلك، نتأكد من أن السلطات تفي بالتزاماتها بمقتضى القانون الدولي -ولا سيما التقيُّد بمبدأ عدم الإعادة القسرية. ونسعى جاهدين أثناء اضطلاعنا بأنشطتنا إلى إقامة حوار بنَّاء مع سلطات الاحتجاز ومؤازرتها فيما تبذله من جهود للتحسين.

وينتهي الأمر بالكثير من المهاجرين إلى الاحتجاز لأنهم دخلوا إلى بلد ما أو بقوا فيه بصورة غير شرعية. ولكن عواقب خطيرة تترتب على حرمان الناس من حريتهم. فقد بيَّن عدد كبير من البحوث أن الاحتجاز الإداري مضر للغاية، ولا سيما لصحة المهاجرين العقلية، بسبب انعدام اليقين إزاء العملية الإدارية والخوف على المستقبل. ويُضاعِف هذا الخوف أثر الصدمات التي يعاني منها أصلًا المهاجرون. فنذكِّر السلطات بأنه يشترط في أي احتجاز أن يكون ضروريًّا ومعقولًا ومتناسبًا من أجل تحقيق هدف مشروع. ونحثُّ السلطات على جعل الاحتجاز ملاذًا أخيرًا وعلى استخدام بدائل له، ولا سيما عندما يتصل الأمر بفئات ضعيفة كالأطفال والأفراد المصابين بصدمات.

إعادة الروابط العائلية

يشكل فقدان الاتصال بالعائلة إحدى النتائج الشائعة للهجرة، ويمكن أن يؤدي إلى صعوبات واحتياجات أخرى. وقد يقلص المرض أو الإصابة أو الافتقار إلى الموارد أو الاحتجاز إمكانية استعانة المهاجرين بوسائل الاتصال. وقد يُحرم بعض المهاجرين قسرًا من الاتصال بعائلاتهم، في حين قد يتردد آخرون في الاتصال بعائلاتهم أو قد لا يرغبون في ذلك. وينطبق هذا الأمر بوجه خاص على المهاجرين الذين تعتبرهم السلطات في وضع غير شرعي.

وتساعد شبكة الروابط العائلية المؤلفة من اللجنة الدولية و189 جمعية وطنية على منع اختفاء الأشخاص أو تفرقهم، وتعمل على إعادة الاتصال بين أفراد العائلة والحفاظ عليه، متى أمكن وحيثما أمكن. كما تحاول هذه الشبكة مساعدة الأشخاص على معرفة ما حدث لأقربائهم الذين أُبلغ عن اختفائهم. وتشمل الخدمات التي تقدمها شبكة الروابط العائلية:

  • مساعدة الأشخاص على الاتصال بأقربائهم بواسطة الهاتف والرسائل المكتوبة يدويًّا وموقعنا الشبكي (familylinks.icrc.org)؛
  • جمع طلبات البحث عن المفقودين وحصرها مركزيًّا؛ وتسجيل الأفراد ومتابعة شؤونهم بهدف منع اختفائهم، ولا سيما الأشخاص الضعفاء مثل الأطفال غير المصحوبين بذويهم وكبار السن والمهاجرين الذين يعانون من المشاكل الصحية؛
  • ولمُّ شمل العائلات؛ ومساعدة السلطات على معرفة ما حلَّ بالمهاجرين المفقودين.

وفي حال وفاة المهاجرين، لا تُعامل جثثهم بطريقة لائقة في أغلب الأحيان ولا تُتخذ دائمًا خطوات لضمان تحديد هويتهم. وتقدم اللجنة الدولية الدعم في مجال الطب الشرعي وتشجع التواصل والتعاون بين دوائر الطب الشرعي وغيرها من الوكالات والمنظمات لأغراض إنسانية. ونشجع أفضل الممارسات في مجال الطب الشرعي بهدف ضمان التعامل مع الجثث بطريقة لائقة وكريمة، وتوثيق حالات الوفاة، وتحديد هوية الشخص قدر الإمكان، وإعادة الجثث إلى الوطن أو دفنها على نحو لائق. ونعمل أيضًا مع السلطات على ضمان قيامها بإخطار العائلات، عند الإمكان، وإصدار شهادة وفاة رسمية.

مساعدة المهاجرين

تسعى اللجنة الدولية إلى الحفاظ على علاقات وثيقة بالمتضررين من النزاعات المسلحة وحالات العنف الأخرى من أفراد وجماعات، كي يتسنى تحديد احتياجاتهم الخاصة بدقة. فربما يكون المهاجرون قد عانوا أثناء رحلتهم من العنف أو سوء المعاملة أو الاستغلال. وغالبًا ما يتحملون أيضًا ظروفًا بالغة الصعوبة يمكن أن تؤدي إلى إصابات وأمراض وجفاف وسوء تغذية. ويمكننا تبعًا للظروف أن نقدم الإغاثة المباشرة أو نساعد المهاجرين في الحصول على الخدمات التي تتيحها الجمعيات الوطنية أو الحكومات أو الجهات الفاعلة الأخرى. وغالبًا ما تُتاح المساعدات التي نقدمها إلى المهاجرين الضعفاء على طول طرق الهجرة بالتعاون الوثيق مع الجهات الشريكة الأخرى، مثل الجمعيات الوطنية. ويمكن أن تتضمن هذه المساعدات، مثلًا، الإمداد بمياه الشرب ومستلزمات النظافة الشخصية أو تقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية وإعادة التأهيل البدني إلى مَن أصيبوا إصابات خطيرة أو بُتر أحد أطرافهم. كما نساعد في إصلاح البنية التحتية وتحديثها وتحسين نوعية مرافق الصرف الصحي في الأماكن التي يمكث فيها المهاجرون خلال رحلتهم.

 

من هم المهاجرون ؟

«المهاجرون هم الأشخاص الذين يغادرون مناطق إقامتهم المعتادة أو يفرون منها للذهاب إلى أماكن جديدة -عادة ما تكون في الخارج - التماسًا لآفاق أفضل وأكثر أمنًا. ويمكن أن تكون الهجرة طوعًا أو كرهًا، ًولكنها تجمع في معظم الأحيان بين خيارات وقيود متنوعة. وعليه، فإن هذه السياسة تشمل بين جملة فئات العمال المهاجرين، والمهاجرين عديمي الجنسية، والمهاجرين الذين تعتبرهم السلطات العامة غير شرعيين. كما تهتم هذه السياسة باللاجئين وملتمسي اللجوء، [بصرف النظر عن كونهم] يشكلون فئة خاصة بموجب القانون الدولي».
الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، سياسة الهجرة، 2009