مقال

نزاع لا يعرف الحدود: بحيرة تشاد على شفا الهاوية

خلّف النزاع في شمال نيجيريا آلاف القتلى وأجبر ما يزيد على مليون شخص على الفرار من ديارهم. ويشكل هذا النزاع ذو الطابع الإقليمي الواضح أحد أكبر الأزمات الإنسانية في العالم اليوم

"محمدو علي"

يعود "محمدو علي" بذاكرته ليروي قائلًا: "هتفوا قائلين: "انهضوا!"، ولما لم يتحرك أحد بدأوا في إطلاق النار". طالت طلقات الرصاص جسد الفتى اليافع فأصابت إحداها ظهره وأخرى بطنه ونفذت ثالثة من جسد شخص آخر لتستقر في قدمه. ويخشى أن يضطر الأطباء إلى بتر ساقه بعد أن أصابتها عدوى.

لم يتوقف النزاع عند الحدود في شمال شرقي نيجيريا. في منطقة "ديفا" في النيجر المجاورة، يعيش عشرات الآلاف من اللاجئين والنازحين ظروفًا قاسية بسبب العنف الإقليمي الدائر. ولقد حصدت الهجمات التي تشن منذ شباط/فبراير 2015 أرواح العديد من المدنيين.

والد "محمدو علي" يعتني بابنه في المستشفى الإقليمي حيث مكث لمدة أربعة أشهر يُعالج من إصابات وقعت له خلال إحدى الهجمات. Sylvain Cherkaoui/ICRC

كان "علي" في الخامسة عشرة عندما تعرضت قرية "بلا برين" الواقعة على مشارف منطقة "ديفا" لهجوم في كانون الأول/ديسمبر. ويعيش الآن مع والده في مخيم للنازحين في "غاغاماري". يقول والد "علي": 

 لم أبرح جوار فراش ابني طوال أربعة أشهر، لا أستطيع إطعام أسرتي، ولم أتلق أي مساعدة منذ وقت طويل.

تجد المجتمعات المحلية – التي تكافح بالفعل تحت وطأة المصاعب الاقتصادية وموجات الجفاف – صعوبة في التأقلم مع الوضع. حيث انهارت التجارة عبر الحدود مع نيجيريا بعد أن كانت مزدهرة، وانخفض الإنتاج الزراعي بعد أن أُجبِرت العائلات على الفرار بحثًا عن الأمان.

الفلفل المجفف كان سلعة رائجة في السوق في "ديفا"، غير أن النزاع شكل عائقًا كبيرًا أمام إنتاجه وبيعه. Sylvain Cherkaoui/ICRC

"أوا تيجاني"

زوج "أوا تيجاني" إمام مسجد كان يعيش في "ديفا" حتى اختطافه عام 2013. تأمل زوجته أن يكون انتماؤه الديني مصدر حماية له. تقول: "ربما أبقوا على حياته ليؤمهم في الصلوات". في البداية، أبدى جيرانها دعمهم، لكن بعد أن هزت هجمات عنيفة النيجر في العام الماضي، أصبح الوصم يلاحق الزوجة المكلومة والأم لابنين. وتتابع قائلة: "يظن الناس أن زوجي انضم إلى صفوفهم"، مشيرة إلى المعارضة المسلحة. ويقبع ابنها وأخوها في السجن على خلفية اشتباه في كونهما أعضاء في تلك المعارضة.

اختطف زوج "أوا تيجاني" في 2013، ولا يزال لديها أمل أنه على قيد الحياة وأنه سيعود يومًا. Sylvain Cherkaoui/ICRC

وتؤكد "تيجاني" على أنه ليس لذويها أي ارتباط بالمعارضة المسلحة. غير أن شباب كثيرون يغادرون ديارهم ويلتحقون بصفوفها. وهم يفعلون ذلك سرًا، ولا تستطيع عائلاتهم فعل أي شيء حيال هذا الأمر. وتضيف قائلة: "البعض يخرج لكسب المال، يحرّكهم أمل بأن يعودوا إلى ديارهم أغنياء".

"أبو بكر مالا أجي"

"أبو بكر مالا أجي" إمام مسجد يبلغ من العمر 35 عامًا. يلتقي رواد المسجد الذي يعمل به في "ديفا" ثلاث مرات بالأسبوع محذرًا إياهم من العنف ومن الانجرار وراء مغريات الانضمام للقتال. يقول "أجي":

 آمل أن تجد كلماتي آذانًا صاغية، وأن أوصل من خلالها رسالة سلام. وأعلم أنني نجحت في إقناع البعض.

"أجي" واحد من أحد عشر إمامًا كانت لهم وقفة قوية ضد العنف في "مايدوغوري" بنيجيريا حيث كان يعيش. ومن بين هؤلاء الأئمة الأحد عشر، قُتِل سبعة.

الإمام "أبو بكر مالا" في "ديفا". Sylvin Cherkaoui/ICRC

ظلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر وجمعية الصليب الأحمر بالنيجر تقدمان المساعدة للناس على الأرض منذ اندلاع الأزمة. وفي عام 2015، قدمت اللجنة الدولية مساعدات غذائية عاجلة لما يزيد على 100,000 شخص في النيجر. ولقد بلغ عدد الذين حصلوا على مساعدات غذائية منذ بداية العام وحتى وقتنا هذا أكثر من 75,000 شخص. لكن هذا ليس سوى قطرة في بحر متلاطم من الاحتياجات، والوضع في تفاقم مستمر.

عادة ما يسوق الرعاة ماشيتهم عبر الحدود إلى تشاد أو نيجيريا بحثًا عن المرعى الغض أثناء فترات الجفاف، لكن النزاع يجبرهم على البقاء في النيجر.

أناس كثيرون عالقون هنا بسبب العنف. يأخذ "كوندو عيسى" قطيع أبقاره إلى قاع نهر جاف في النيجر. يقول "عيسى": "الطبيعي أن نكون في نيجيريا في هذا الوقت من العام، وأن نتقدم مسافة أكثر نحو الجنوب، لكننا عالقون هنا بسبب القتال".