مقال

لبنان: استعادة الوجوه والكرامة

بعد إصابته بحروق بالغة نتيجة انفجار وقع عام 2014، أثرّت على قدرته على التحدث والأكل بشكل طبيعي، بات موسى يكابد ألوانًا من المعاناة بسبب جراحه. والآن، وبعد خضوعه لعملية جراحية طويلة وشاقة على يد الجراح أنريك شتايغر، أصبح أمام موسى فرصة لأن يحيا حياته بصورة طبيعية من جديد.

في تشرين الأول/ أكتوبر، كان موسى من بين عشرة مرضى خضعوا لجراحة الوجه والفكين في مركز علاج المصابين بسبب الأسلحة في طرابلس الذي تديره اللجنة الدولية للصليب الأحمر. أجرى العمليات الجراحية د/ أنريك شتايغر، وهو طبيب متخصص في جراحات الوجه والفكين، التي تعالج إصابات الرأس، والرقبة، والفكين، وأجزاء الوجه.

هلّا أخبرتنا المزيد عن موسى، المريض الذي أَجرَيت له عملية جراحية.

يبلغ موسى من العمر 52 عامًا، أصيب أثناء الاشتباكات التي وقعت في طرابلس العام الماضي. فقد أصيب بحروق بالغة عندما انفجرت قذيفة بالقرب من خزان للبنزين تناثر على إثره البنزين على وجهه والجزء العلوي من جسده. تلقى موسى علاجًا سطحيًا عدة مرات لكن ذلك لم يساعده كثيرًا، فضلًا عن أنه لم يعد يحتمل المعاناة أكثر من ذلك. لذا نصحه بعض معارفه، ومنهم من سبق له تلقي العلاج في مركز علاج المصابين بسبب الأسلحة، بالذهاب إلى المركز.

أدت الإصابة إلى انكماش شفته وتدلّيها نحو الأسفل، ما نتج عنه سيلان لعابه من فمه باستمرار وكشف أسنانه، التي كانت ستتساقط عاجلًا أم آجلًا. ونتيجة لهذا الوضع لم يستطع تناول طعامه بشكل طبيعي، ولم يكن فمه يعمل بشكل صحيح، وكان واضحًا أن معاناته بلغت ذروتها.

هذه عادة المشكلة التي يواجهها الأشخاص المصابون بجروح في الوجه: أن معاناتهم تكون بدنية ونفسية.

نأمل أن يصبح موسى قادرًا على مضغ الطعام بصورة طبيعية في القريب العاجل، وأن يستأنف حياته الطبيعية في نهاية المطاف.

من منطلق عملي كجرّاح يعمل على ترميم وجوه الجرحى، أستطيع أن أُعيد إليهم كرامتهم وقدرتهم على النهوض من جديد ومواصلة حياتهم.

أعطنا فكرة عن جراحة الوجه والفكين، ما الذي تدور حوله؟

هي نوع من الجراحة المتخصصة والمُعقدة إلى حد كبير، فهي تتطلب دقّة متناهية أثناء العمل على بنية الوجه وبشرته. وينطبق هذا بصفة خاصة عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الجروح الناتجة عن الأسلحة.

من بين الصعوبات التي نواجهها أن معظم الجروح تكون غير حديثة، كما كان الأمر في حالة موسى. فمثلًا يكون بعضها قد مرّ عليه بضعة أسابيع أو حتى أشهر، وكثير منها لم يُعالج بشكل سليم في السابق.

استغرقت عملية موسى من سبع إلى ثماني ساعات لتثبيت عظام الوجه بالشرائح والمسامير، ولاستبدال الجلد التالف على رقبته بجلد سليم أُخذ من أجزاء أخرى من جسده.

أتيتَ إلى لبنان لتمكث أسبوعًا واحدًا فقط لإجراء هذه العملية وعمليات أخرى. ما انطباعك عن مركز علاج المصابين بسبب الأسلحة في طرابلس؟

أعتقد أن افتتاح هذا المركز كان فكرة ممتازة، فنحن اليوم نواجه صعوبات متزايدة في الاقتراب من مناطق النزاع لأسباب أمنية، كما هو الحال في سورية على سبيل المثال.

العديد من المناطق مثل هذه لا تستطيع المنظمات الإنسانية التي تقدم الرعاية الصحية عمليًا الوصول إليها. ولا يكون الأطباء المحليون الذين يعتنون بجرحى الأسلحة متخصصين في جميع الأحوال، ومهما بذلوا من جهد، لا يمكن أن نضمن حصول المصابين على العلاج والمتابعة المناسبين لحالات الطوارئ في أغلب الأحيان. ونتيجة لذلك، يتعرض المصابون لمُضاعفات يكون علاجها أصعب بكثير.

لكن هدفنا ليس أن نحل محلهم، ذلك أن هدفنا النهائي هو تدريب الكوادر الطبية المحلية على إجراء جراحات الإصابات الناجمة عن الأسلحة، سواءً أكانت جراحات الوجه، أو اليدين، أو جراحات تقويم العظام، بما يؤهلهم للعناية بمعظم الحالات في مناطقهم، مع الاستعانة بدعمنا متى دعت الضرورة. لأنهم هم من يتحدثون لغة مرضاهم، ويشاركونهم خصوصياتهم الثقافية والخصوصيات الأخرى، ولا شك أن هذا عامل مهم لنجاح العلاج.

أنشئ مركز علاج المصابين بسبب الأسلحة في أيلول/ سبتمبر عام 2014 لتوفير العلاج الجراحي بما في ذلك الجراحة الترميمية وإعادة التأهيل الجسدي لجرحى الأسلحة. ويؤدي هذا المركز أيضًا دورًا في نقل معرفة اللجنة الدولية في مجال الجراحة وإعادة التأهيل إلى الجراحين وغيرهم من العاملين بمجال الرعاية الصحية. كافة الخدمات التي يُقدمها المركز مجانية، وهي متاحة لكل من أُصيبوا بجراح من جرّاء الأسلحة، بصرف النظر عن جنسياتهم أو خلفياتهم.