مقال

نطاق مبدأ الولاية القضائية العالمية وتطبيقه: بيان اللجنة الدولية للصليب الأحمر للأمم المتحدة، 2015

الجمعية العامة للأمم المتحدة، الدورة السبعون، اللجنة السادسة، بيان اللجنة الدولية للصليب الأحمر، نيويورك، تشرين الأول/أكتوبر 2015.

ترحب اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر (اللجنة الدولية) باستمرار اهتمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عبر عمل اللجنة السادسة والأمين العام، بنطاق مبدأ الولاية القضائية العالمية وتطبيقه. ونحيط علمًا مع التقدير بأحدث تقرير أعدّه الأمين العام بشأن هذه المسألة وساهمت فيه اللجنة الدولية.
لا يزال مبدأ الولاية القضائية العالمية يشكل إحدى الأدوات الأساسية لضمان منع الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني وقمعها.

ويتطلب هذا الالتزام نهجًا نشطًا. فإذا علمت الدول بوجود أشخاص يُدعى ارتكابهم انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني في إقليمها أو في أماكن خاضعة لولايتها القضائية، وقعت على عاتقها مسؤولية ضمان التحقيق مع هؤلاء الأشخاص وملاحقتهم قضائيًا ومحاكمتهم.

وينص نظام "المخالفات الجسيمة" الذي أُرسي في اتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولها الإضافي الأول لعام 1977 على أن الدول الأطراف ملزمة قانونًا بالبحث عن الأشخاص الذين يُدعى ارتكابهم، أو إصدارهم أوامر بارتكاب، ما هو محدد من انتهاكات اتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولها الأول بأنه يشكل مخالفات جسمية. والدول مطالبة أيضًا بمحاكمة هؤلاء الأشخاص، بصرف النظر عن جنسيتهم، أمام محاكمها، أو بتسليمهم إلى دولة طرف معنية أخرى كي تحاكمهم.

وتضع صكوك دولية أخرى التزامًا مماثلاً على الدول الأطراف بأن ترسي في محاكمها شكلًا من أشكال الولاية القضائية العالمية على الانتهاكات الخطيرة للقواعد المذكورة فيها. وتشمل هذه الصكوك اتفاقية لاهاي لعام 1954 الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح وبروتوكولها الثاني لعام 1999، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984، والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006.

وبالإضافة إلى ذلك، ساعدت ممارسات الدول والاعتقاد بالالتزام على تدعيم قاعدة عرفية تستطيع الدول بمقتضاها تخويل محاكمها ولاية قضائية عالمية على الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقانون الدولي الإنساني. وتشمل هذه، بصورة خاصة، الانتهاكات الخطيرة للمادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977، وكذلك جرائم الحرب الأخرى، كتلك المنصوص عليها في المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998.

إن اللجنة الدولية، وقد وضعت نصب عينيها ترسيخ احترام القانون الدولي الإنساني، تواصل الترويج لمنع الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني وتنفيذ آليات مناسبة لفرض الجزاءات، مع التشديد على الولاية القضائية العالمية. وعلاوة على ذلك، تقدم اللجنة الدولية المساعدة القانونية والتقنية إلى الدول في مجال إدراج الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني والجرائم الدولية الأخرى في القانون الجنائي الوطني والإجراءات الجنائية الوطنية. وتعدّ اللجنة الدولية أيضًا وثائق تقنية، مثل دليل تطبيق القانون الدولي الإنساني على الصعيد الداخلي وتشريعاته النموذجية، تشكل أدوات عملية لمساعدة واضعي السياسات والمشرعين والقضاة والأطراف الأخرى المهتمة بتنفيذ القانون الدولي الإنساني عمومًا، وقمع الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني وتطبيق الولاية القضائية العالمية بصورة أكثر تحديدًا.

وتتماشى هذه المبادرات مع القرار رقم 2 الصادر عن المؤتمر الدولي الحادي والثلاثين للصليب الأحمر والهلال الأحمر لعام 2011 الذي يشير إلى خطة العمل الممتدة لأربع سنوات لتنفيذ القانون الدولي الإنساني- التي يتمثل أحد أهدافها في نهوض الدول بإدراج الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني وقمعها.

وفي هذا الصدد، حدَّدت اللجنة الدولية أكثر من 100 دولة أرست شكلًا من أشكال الولاية القضائية العالمية على جرائم الحرب في نظمها القانونية الوطنية، وأتاحت هذه المعلومات في قاعدة بيانات اللجنة الدولية بشأن التنفيذ على الصعيد الوطني. وبينما جعلت بعض الدول في عامي 2014 و2015 ممارسة الولاية القضائية العالمية مقتصرة على إقليمها، فقد اعتمدت دول أخرى تشريعات داخلية تجرّم الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني وتنصّ على إقامة ولاية قضائية عالمية على ما يُرتكب من مثل هذه الجرائم خارج حدودها.

إنّ الدول تتحمل المسؤولية الرئيسية عن التحقيق فيما يدعى ارتكابه من انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني وملاحقة مرتكبيها المزعومين. وعندما لا تتخذ الدول إجراءات قانونية بناء على أسس أخرى للولاية القضائية (مبدأ الإقليمية أو مبدأ الشخصية الإيجابية أو السلبية أو مبدأ الحماية)، يمكن أن يشكل تأكيد الولاية القضائية العالمية آلية فعّالة من أجل ضمان المساءلة والحد من الإفلات من العقاب.

وفي حين تعترف اللجنة الدولية بالتحديات القانونية والتقنية والعملية التي يمكنها اعتراض الممارسة الفعلية للولاية القضائية العالمية، فهي تشجع الدول بقوة على إيجاد سبل للتغلب عليها. وتدعو الدولَ أيضًا إلى سنّ تشريعات مناسبة من أجل التصدي للانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني على أساس جميع مبادئ الولاية القضائية- بما فيها الولاية القضائية العالمية.

وختامًا، ستواصل اللجنة الدولية متابعة المناقشة المتعلقة بهذا الموضوع والمسائل ذات الصلة في اللجنة السادسة وغيرها من منتديات الأمم المتحدة باهتمام بالغ، وستظل على استعداد للمشاركة في الجهود التي تبذلها الدول لمنع الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني وقمعها والتصدي لها، كما ستستمر في دعم هذه الجهود.