مقال

العائلات النازحة تنتظر المياه في مدينة الدمازين بولاية النيل الأزرق السودانية

أحضرت سعاد محمد مقاعد بلاستيكية لزوارها، وأجلستهم في حلقة خارج منزلها المصنوع من حزم القش، وألقت بجسدها على أحد المقاعد. تحلقت حولها عشرة أو نحو ذلك من النسوة والفتيات الصغيرات، وتجمع بالقرب عدد من الرجال والصبية يستمعون بفضول.

تحدثت سعاد، وهي أم لثمانية أطفال، بالنيابة عن النسوة الحاضرات جميعًا، ورفعت صوتها ليسمعه الجميع. تساءلت: "هل تظنون بأن الـ 40 لتر مياه التي أجلبها من النهر يوميًا تكفي احتياجات عائلتي كلها؟" ورمقت الناظرين بنظرة متحدية، وتابعت: "الإجابة هي لا"، بينما تفلتت ضحكات خجولة من الفتيات الصغيرات الواقفات خلفها وهن يومئن برؤوسهن دليل الموافقة. ثم تحدثت امرأة أخرى جالسة إلى جوار سعاد، تدعى سوزان، بالحدة ذاتها: "أزواجنا يقطعون العشب والحطب لبيعهما في السوق ولا يكسبون مالاً كثيرًا، فلا نستطيع دفع 100 جنيه سوداني (دولار أمريكي واحد تقريبًا) ثمنًا للبرميل من المياه المباعة على العربات المجرورة بالحمير، لذلك نذهب إلى النهر لملء صفائح المياه. وتابعت موضحة "الرحلة الواحدة تستغرق ساعة".

وعندما سئلت سعاد وسوزان عما إذا كان الأزواج يساعدون في جلب المياه، رفضتا الفكرة. وقالتا: "إذا كانوا يحملونها على دراجة نارية فقط، أما هذا العمل فمن واجب النساء، ونحن نقطع المسافة على الأقدام".

يرتفع خزان مياه مطلي بالأبيض والأسود، على بعد بضع مئات من الأمتار، فوق أكواخ القش في مساكن الإيواء بالروصيرص حيث تعيش سعاد وسوزان. تأوي المنطقة مئات العائلات التي فرّت طلبًا للأمان على أطراف مدينة الدمازين، عندما هوجمت قراها خلال القتال المتقطع الذي اندلع في ولاية النيل الأزرق منذ عام 2011. ومع توافد المزيد من العائلات النازحة داخليًا، أُنهكت شبكة المياه بالمدينة إلى الحد الذي دعا السلطات إلى تحويل المياه التي تملأ خزان الروصيرص وضخها إلى أجزاء من المدينة التي تعاني شح المياه.

حاولت هيئة المياه في الوقت ذاته إيجاد حل لمشكلة النازحين داخليًا.

أشارت سعاد: "سمعنا عن خطة لملء الخزان مرة أخرى، لكن هذا كل ما نعرف".

ستقوم السلطات، في المشروع الذي أشارت إليه سعاد، ببناء خزان خرساني بسعة 350 مترًا مكعبًا يُملأ من عدة مصادر مختلفة من المياه الجوفية، ثم إنشاء محطة ضخ، ومد خط لنقل المياه إلى خزان الروصيرص، ومن ثم تُضخ المياه إلى منازل العائلات. ورغم أنه مشروع معقد وطموح، فدوافعه مفهومة في ظل الوضع. لكن للأسف، توقف المشروع بعد أشهر قليلة من انطلاقه في 2018 لنقص التمويل.

وحرصًا على استكمال الأعمال التي بدأت بالفعل، تواصل المدير العام لهيئة المياه بالدمازين، السيد عبد الرحمن محمد أحمد، مع اللجنة الدولية التي وافقت على دعم المشروع تقنيًا وماليًا نظرًا لأن المستفيدين الأساسيين من المشروع هم النازحون داخليًا. كما أن دائرة المياه والإسكان التابعة للجنة الدولية في الخرطوم اقترحت مرحلة ثانية طويلة الأجل من المشروع يستفيد منها كامل سكان المدينة البالغ تعدادهم 88 ألف نسمة، تماشيًا مع أولوية تركيز العمل على أنظمة المياه في المجتمعات المتضررة من النزاعات. سيتضمن ذلك المسعى دراسة متعمقة للمخطط الرئيسي لمدينة الدمازين، مع تحليل البنية التحتية للمياه حتى تتمكن السلطات من تنظيم الموارد والتخطيط للمستقبل بسهولة أكبر. وقد وافقت هيئة المياه المحلية على ذلك.

استؤنف العمل الآن في المرحلة الأولى من مشروع الروصيرص، الذي سيستفيد منه 13,500 نازح داخلي، بفضل الجهود المشتركة بين هيئة المياه ومهندسي اللجنة الدولية. وقد بُني الخزان الخرساني، ومن المقرر بدء تشييد محطة الضخ.

رأينا خلال زيارة إلى الموقع بعد الظهر عربات مجرورة بالحمير تمر ببطء إلى جوار المنشأة حديثة البناء، في طريقها إلى مساكن الإيواء لبيع حمولتها من المياه. يثير الخزان المحاط بسياج أزرق الإعجاب وسط هذا المحيط القاتم. وقد اعتلى المهندسون سطح الخزان وفتحوا غطاءه للنظر فيه من الداخل.

قال "إيفانو ماراتي"، رئيس فريق اللجنة الدولية: "قبل الشروع في المرحلة التالية، لا بد أن نتأكد من استكمال جميع الجوانب التقنية التي ينطوي عليها بناء الخزان، ومن استقرار مستوى المياه. كانت عملية طويلة وشاقة جدًا، لكن مستوى التعاون من السلطات كان ممتازًا، ويسرني أن أقول إن كل شيء يسير في الطريق الصحيح".

بمجرد تشغيل محطة الضخ ومد خط النقل الذي يصل الخزان والمضخة بخزان المياه في مساكن الإيواء بطول ثلاثة كيلومترات، سيكون كل شيء جاهزًا لبدء ضخ المياه إلى منازل النازحين داخليًا مرة أخرى. وهنا يقول السيد عبد الرحمن أحمد، الذي دعم المشروع منذ بدايته: "الجميع في الروصيرص يتطلعون بلهفة إلى هذه اللحظة".

أما بالنسبة إلى سعاد وسوزان في اللحظة الراهنة، لا يزال الخزان الذي يرتفع فوق مساكن الإيواء بلونيه الأبيض والأسود رمزًا للأمل، في أن يعاود العمل بعد أشهر قليلة، فلا يمرض أطفالهما بسبب شرب مياه النهر القذرة، ولا تضطر السيدتان إلى غسل الصحون من صفائح المياه بعد ذلك.