السودان: لا أختلف عن أي شخص آخر
لم يبطئ بتر ساق فارس اليمنى إيقاع حياته وقتئذ، وليس من الوارد أن يسمح بذلك الآن.
نادرًا ما يشاطر فارس إبراهيم الآخرين قصته، لا خوفًا من إصدارهم أحكامًا عليه، وإنما لأنه لا يشعر باختلافه عن أي شخص آخر.
فقد فارس البالغ من العمر 26 عامًا ساقه منذ عشر سنوات بسبب عدوى غادرة تصيب الأنسجة، تدعى الورم الفطري. توفيت والدة فارس قبل ثلاثة أعوام من مُصابه بمرض في القلب، وتركته هو وأخوته لإعالة أنفسهم. بدأت العدوى تسري ببطء: تورمت قدمه في البداية ثم انتقلت إلى الساق. وفي النهاية أصبحت تؤلمه بشدة ولم يعد باستطاعته السير، وإنما الزحف فحسب.
قال فارس: "اصطحبتني عائلتي إلى معالجين شعبيين، فساء الوضع أكثر. أُخذتُ بعدئذ إلى مستشفى بشائر في جبل أولياء (40 كم إلى الجنوب من الخرطوم) حيث أجروا لي بعض الفحوصات، ثم أُحلت إلى مستشفى أكبر في الخرطوم".
ظهرت نتيجة التحاليل مخطوطة على ورقة بالإنجليزية. ووجد فارس من يترجمها له في المستشفى. أضاف: "أخبرني ذلك الشخص أن العدوى أتلفت قدمي تلفًا شديدًا ولا مناص من بترها".
نظام رعاية صحية منهار
نهشت سنوات الحرب والاضطرابات الاقتصادية نظام الرعاية الصحية في السودان. فالمستشفيات والعيادات في الخرطوم والمدن الكبرى تفتقر كثيرًا إلى الأدوية الكافية، والمتوفر منها باهظ الثمن بما يفوق قدرة الكثير من السودانيين على شرائها. والأطباء يتقاضون رواتب هزيلة ويفضلون مغادرة السودان للعمل في الخارج، فتُستنزف القوة العاملة المحلية في قطاع الرعاية الصحية.
الوضع أكثر قتامة في المناطق النائية. تقدر منظمة الصحة العالمية أن 35 بالمئة من السودانيين يعيشون في مناطق لا تتوفر فيها منشآت صحية، ويعود السبب غالبًا إلى تدمير العيادات والمستشفيات إبان النزاع أو تهالكها بسبب الضعف المزمن في الاستثمارات.
يجعل هذا الأمراض وحالات العدوى التي يمكن الوقاية منها أو علاجها خطيرة على نحو مأساوي.
في حالة الورم الفطري الذي تسببه بكتيريا أو فطريات تدخل الجسم غالبًا عن طريق جرح في القدم أو الساق، يلعب التشخيص المبكر دورًا حاسمًا في كبح العدوى قبل أن تنتشر وتتلف الأنسجة إلى درجة يتعذر علاجها. وفي ظل ضعف الاستثمارات في محاربة الورم الفطري عالميًا وانهيار نظام الرعاية الصحية في السودان، غالبًا ما يسعى فارس والآلاف من المصابين أمثاله إلى العلاج بعدما تستشري العدوى ولا يكون من البتر بدٌ.
لا أختلف عن أي شخص آخر
تتعاون اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) مع الهيئة العامة للأجهزة التعويضية للمعاقين في السودان منذ 1990 لتقديم الأطراف التعويضية وأجهزة تقويم العظام وغيرها من أجهزة المساعدة على الحركة وخدمات العلاج الطبيعي.
واليوم يقدم مركز إعادة التأهيل الرئيسي التابع للهيئة في قلب الخرطوم الرعاية لحوالي 2500 شخص من ذوي الإعاقات البدنية سنويًا.
حصل فارس على الساق الاصطناعية الأولى من هذا المركز عام 2010.
قال: "فقدت ساقي، لكنني كنت في حالة بدنية جيدة. أردت العمل مع الجمعيات [التي ترعى ذوي الإعاقة] ومساعدتهم في أي شيء. وبعد أن حصلت على ساق اصطناعية، كنت أظهر في ورش العمل كدراسة حالة... وأحاول بذل كل ما بوسعي للمساهمة ومساعدة الطلاب في التعلم حتى يفيدوا أشخاصًا آخرين".
سمحت له ساقه الاصطناعية أيضًا أن يشق حياته في الخرطوم دون أي فارق عن أقرانه. وجد أخيرًا عملاً في مخبز حيث يقف على قدمه طوال اليوم تقريبًا، يخلط المكونات ويعجن ويفرد العجين. وعندما يفرغ من عمله، يهرع إلى ورش العمل والفصول الدراسية في المدينة.
يتذكر فارس عندما ذهب إلى المخبز وكان الناس مندهشين من قدرته على العمل بساق مبتورة.
قال: "لست متباهيًا. ولم أرد أن أظهر لهم قدراتي الحقيقية، لكن بعدما غادروا، أخبرت زملائي أننا نحتاج إلى العمل بسرعة. ففعلنا وأنهينا العمل قبل ساعات من الموعد المعتاد لنوبة العمل. كنا نعمل بسرعة شديدة وعندما ذهبنا لإيقاظ عمال النوبة التالية، باغتتهم صدمة شديدة لأننا أستهلكنا كل الطحين المتوفر!"
في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حصل فارس على ساق اصطناعية جديدة مزودة بمفصل ركبة متعدد المراكز. وأصبح أول مريض لدى الهيئة يتلقى هذه التقنية التي تحاكي حركة الركبة البشرية الحقيقية وتتيح له الركوع وجلوس القرفصاء والاستدارة الكاملة بمزيد من الكفاءة.
قال فارس: "لم أر شيئًا كهذا من قبل، هذا مدهش! إنها أسهل ولا يستغرق تركيبها أكثر من دقيقتين. وتوفر لي الكثير من الوقت".
الوقت ثمين بالنسبة إلى فارس الذي يريد استغلال كل دقيقة في يومه على أكمل وجه. لم يبطئ بتر ساقه اليمنى إيقاع حياته وقتئذ، وليس من الوارد أن يسمح بذلك الآن.
قال فارس: "لم أفقد الأمل، وأخطط الآن لمستقبلي. أطمح إلى العمل في تجارة الأجهزة الإلكترونية واستكمال دراستي، وأتمنى تكوين أسرة".