بيان

الولاية القضائية العالمية أداة رئيسية لضمان منع الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني والتحقيق فيها وكبحها

تصريح إلى اجتماع اللجنة السادسة للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن "نطاق مبدأ الولاية القضائية العالمية وتطبيقه"

كما ألقاه السيد "كريستوفر هارلاند"، نائب المراقب الدائم لدى الأمم المتحدة والمستشار القانوني، اللجنة الدولية، نيويورك

سيدتي الرئيسة،

نحتفل هذا العام بالذكرى السبعين لاعتماد اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، والتي تتضمن كل منها أحكامًا بشأن "الانتهاكات الجسيمة" في جرائم الحرب. وترحب اللجنة الدولية باهتمام الجمعية العامة للأمم المتحدة المتواصل بمبدأ الولاية القضائية العالمية، ومن بينها ما يتعلق بجرائم الحرب، وتحيط علمًا بأحدث تقرير للأمين العام في هذا الشأن، والذي ساهمنا فيه.

يُعد مبدأ الولاية القضائية العالمية واحدًا من الأدوات الرئيسية التي تضمن منع الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني، والتحقيق فيها حال وقوعها، والحد منها إذا أمكن.

تنص اتفاقيات جنيف لعام 1949 على التزام الدول الأطراف بالبحث عن المشتبه في اقترافهم مخالفات جسيمة – وهي الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني – أيًا كانت جنسياتهم، ومقاضاتهم أو تسليمهم. ويوسع البروتوكول الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف هذا الالتزام ليشمل المخالفات الجسيمة المحددة فيه.

ثمة مواثيق دولية أخرى تنص على التزام مماثل على الدول الأطراف بفرض شكل من أشكال الولاية القضائية العالمية في محاكمها فيما يتعلق بالانتهاكات الخطيرة للقواعد المنصوص عليها في هذه المواثيق. منها، على سبيل المثال، اتفاقية لاهاي لعام 1954 لحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح وبروتوكولها الثاني لعام 1999، واتفاقية عام 1984 لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والاتفاقية الدولية لعام 2006 بشأن حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. إضافةً إلى ذلك، ساعدت ممارسات الدول والاعتقاد بالإلزام القانوني على تعزيز قاعدة عرفية يحق للدول بموجبها توسيع نطاق الولاية القضائية العالمية لتشمل انتهاكات خطيرة أخرى للقانون الدولي الإنساني. ويشمل ذلك على وجه الخصوص الانتهاكات الخطيرة للمادة (3) المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكولها الإضافي الثاني لعام 1977، إلى جانب انتهاكات خطيرة أخرى للقانون الدولي الإنساني بما فيها تلك المدرجة في المادة (8) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية [1998].

سيدتي الرئيسة،

تقع على عاتق الدول المسؤولية الرئيسية عن التحقيق في المزاعم بالانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني ومقاضاة مقترفيها. وعندما لا تتخذ بعض الدول إجراءً قانونيًا، يمكن لمباشرة الولاية القضائية العالمية من قِبل دول أخرى أن تكون بمثابة آلية فعالة لضمان المساءلة والحد من الإفلات من العقاب.

ترحب اللجنة الدولية بالزيادة المتنامية في الملاحقات القضائية الوطنية التي تستند إلى الولاية القضائية العالمية في ما يتعلق بالانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني. ووفقًا للمعلومات المتاحة لدى اللجنة الدولية، ثمة، منذ عام 2018، تحقيقات خارج حدود الدول تتعلق بجرائم دولية يُزعَم ارتكابها في حالات النزاع المسلح، بدأتها أو استأنفتها هيئات الملاحقة القانونية الوطنية في كل من الأرجنتين والنمسا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا والنرويج والسويد وسويسرا. إضافةً إلى ذلك، ثمة ما لا يقل عن 15 محاكمة جارية أو لم يتم البت فيها في كل من النمسا وبلجيكا وفنلندا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا والسويد وسويسرا وهولندا والمملكة المتحدة، وتم إصدار ما لا يقل عن 9 أحكام من محاكم وطنية استنادًا إلى الولاية القضائية العالمية في كل من فنلندا وفرنسا وألمانيا وهولندا والمملكة المتحدة.

توضح هذه الجهود أن الولاية القضائية العالمية في واقع الأمر جزء من مجموعة الأدوات التي تلجأ إليها الدول للتصدي الفعال للثغرات السائدة التي تسبب الإفلات من العقاب، والمضي قدمًا نحو المساءلة عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني التي تُرتكَب خارج حدود الدول، سواء في النزاعات المسلحة السابقة أو الجارية. وتأمل اللجنة الدولية مواصلة انضمام مزيد من الدول لهذه الجهود التي تبعث برسالة مهمة للضحايا والناجين بأن المحاسبة ليست هدفًا بعيد المنال.

سيدتي الرئيسة،

كما ذكرنا في تصاريح سابقة، تواصل اللجنة الدولية، عند الطلب، دعمها للدول في تعزيز تشريعاتها الجنائية الوطنية وإرساء ولاية قضائية عالمية عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني. ونصدر أيضًا وثائق فنية وأدوات عملية تتعلق بتطبيق الولاية القضائية العالمية، بهدف مساعدة الدول على فهم أفضل لهذا المفهوم وإيجاد سبل لتطبيقه في الإطار الوطني.

ولا تزال اللجنة الدولية تدرك أن هناك تحديات في طريق الممارسة الفعالة لمبدأ الولاية القضائية العالمية ولكنها تذكِّر مجددًا بأنه وبالرغم من السماح للدول بإضافة شروط إلى تطبيق الولاية القضائية العالمية على المخالفات الجسيمة أو غيرها من الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني، إلا أنه يجب أن تهدف هذه الشروط إلى زيادة فعالية الولاية القضائية العالمية وامكانية التنبؤ بها وليس إلى وضع قيود غير ضرورية على امكانية مثول الجناة المشتبه بهم أمام العدالة.

وسوف نواصل باهتمام عظيم متابعة المناقشة حول مبدأ الولاية القضائية العالمية في اللجنة السادسة وغيرها من محافل الأمم المتحدة. وأخيرًا، تكرر اللجنة الدولية استعدادها لمواصلة المشاركة في جهود الدول ودعمها لضمان مزيد من الاحترام للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك الجهود المبذولة في هذا المجال.

شكرًا جزيلًا سيدتي الرئيسة.