مقال

بعد فقد أطرافهم شباب غزة يسعى لاستعادة مسار حياته

تدعم اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) مركزاً لإعادة التأهيل البدني في غزة، حيث يتلقّى مبتورو الأطراف خدمات دعم نفسيّ وإعادة تأهيل بدنيّ ويحصلون على أجهزة تنقّل تُعينهم على الحركة. بالإضافة إلى ذلك، تُساعد مِنَح المشاريع الاقتصادية الصغيرة التي تقدّمها اللجنة الدولية الأشخاص ذوي الإعاقة على إيجاد مصدر رزقٍ يقتاتون منه.

136 شخصاً فقدوا أطرافاً منذ بداية أعمال العنف في المناطق الحدودية في آذار/ مارس 2018 التي استمرّت أكثر من عام. من بين مليوني نسمة، 1600 شخصٍ يعانون من البتر في غزة. وبالأخذ بعين الاعتبار المنافسة الشرسة في سوق العمل، يعاني ما يُقدّر بنصف القوى العاملة في القطاع من البطالة. كما يجد الأشخاص ذوو الإعاقة أنفسهم في وضع غير مؤاتٍ بسبب الطّرقات والمباني غير المؤهَّلة للكراسي المتحرّكة، بالإضافة إلى أنّ العديد من الوظائف المتاحة تتطلب قوّة بدنيّة.

وبالنسبة للشباب بالتحديد، فإنّ الأمر أشدّ صعوبة عليهم من غيرهم، إذ إنّ معدلات البطالة بين صفوف خرّيجي الجامعات في غزة هي من أعلاها حول العالم بنسبة تصل إلى 68%. وبالنّظر إلى تلك الإحصائيات المروّعة، يجد الشباب مبتورو الأطراف في غزة أنفسهم في مواجهة العُزلة والصدمات النفسية، ولكنّهم رغم التحدّيات كلّها يحصلون على شهاداتٍ ويصقلون مهاراتهم في سبيل بناء مستقبلٍ أفضل.

هيثم

"إنْ كنت تحبّني فعلاً، لا تذهب هناك"، هذه كانت كلمات والد هيثم له في الوقت الذي قطع الشاب ذو التاسعة عشر عاماً وعداً لذويه بعدم الاقتراب من السياج الحدودي، ولكن غلبه الفضول وقرّر الذهاب إلى هناك لإلقاء نظرة على الحدث الكبير الذي سلب عقول أهل القطاع وشغل تفكيرهم، وأقنع نفسه أنّ لا ضير من إلقاء نظرةٍ فحسب.

عندما وصل إلى المكان المنشود، اختلط هيثم مع الجماهير التي بدأت بالاندفاع أكثر فأكثر نحو السياج الحدودي. فسّر هيثم موقفه قائلاً: "بمجرّد أن تصبح جزءاً من الحشد لا يمكنك أن تبقى على سجيّتك، ويصبح من الصعب عليك التحكّم بأفعالك".

استيقظ هيثم في سرير المستشفى على أوجاعٍ لا تُحتمل، وكأنّ نظرات الهلع والفزع في عيون والديه لم تكن كافية. كان من الصعب عليهما استيعاب حقيقة أنّه كان معهما في المنزل قبل بضع ساعاتٍ وهو الآن مُلقى أمام ناظريهما ورصاصة مستقرّة في ساقه ليواجه احتمالية مريعة لبترٍ وشيك.

بعد مغادرته المستشفى، عاد هيثم إلى بيع السجائر على جانب الطريق، إحدى أولى المهن التي مارسها في سنّ المراهقة. في كلّ مرة كانت تقف سيارة بمحاذاته، كان الزبون المحتمل يغادر سيارته قبل أن يتمكّن هيثم من الوقوف وإعطائه علبة سجائر عبر النافذة. في ذلك الوقت، شَعَر هيثم بالهزيمة ولم يحتمل فكرة إشفاق الآخرين عليه، فقرّر ترك العمل بعد فترةٍ وجيزة.

وفي ظلّ سعيه لخلق فرصٍ جديدةٍ، بدا مصير هيثم مجهولاً أكثر من أيّ وقتٍ مضى. عبّر هيثم عن ذلك قائلاً: "في السابق، كنتُ دائم الحركة. كانت مقدرتي على التواجد في أماكن متعددة والوصول إليها بسرعة السبب الأساسي في حصولي على وظائف". وهو يرغب الآن بافتتاح مقهىً لألعاب الفيديو في الحيّ الذي يسكن فيه، آملاً أن يلقى المشروع رواجاً بين السكان.

عُمَر

كان عُمَر يبلغ من العمر 19 عاماً عندما فَقَدَ ساقه إثر إصابته بعيار ناري في 14 أيار/ مايو 2018، وهو أسوأ يوم في سلسلة أيام من المظاهرات الحدودية في غزة. قال عُمَر واصفاً مشاعره: "عندما استيقظتُ في المستشفى، كنتُ مصدوماً ومكتئباً. شعرتُ بأنّه لم يعُد لي أيّ مستقبل". لشابٍ يتمتع بحيوية كبيرة ويمارس رياضة كرة القدم ويرقص الدّبكة مثل عُمَر، لم يكُن من السهل تصوُّر شكل الحياة مع الإعاقة.

وبرغم المعاناة والألم، استجمع عُمَر قواه واستعدّ لامتحاناته من على سرير المستشفى. لم يكن بمقدور عائلة عُمَر تحمُّل تكلفة دراسته، فانسحب من الجامعة بعد الفصل الأول.

في الوقت الحالي، يتعلّم عُمَر كيفية تصليح أجهزة الهواتف النقّالة. ترى الإشراقة على وجهه عند حديثه عن فكّ الجهاز ومحاولة التوصّل إلى آلية عمله وسبب المشكلة فيه. يأمل عُمَر أن ينشئ مشروعه الخاص لتصليح الهواتف النقّالة، ويُضيف: "يستحيل العيش في ظلّ انعدام الأمل".

عبد الله

يعاني عبد الله من بترٍ مزدوجٍ منذ السابعة عشر من عمره، في الوقت الذي كانت آمال المستقبل وأحلامه تملأ قلوب رفاقه من أبناء جيله. بعد إصابته، اضطر عبد الله أن يتخلّى عن حلمه بالعمل في مجال الصحافة، وبرّر قراره قائلاً: "لكي تنجح في مهنة الصحافة، عليك أن تكون سريع الحركة ودائم التنقّل".

تأتي مشاكل التنقّل على طرقات غزة التي تكون في الغالب غير معبّدة على رأس هرم التحديات التي تواجه أصحاب الكراسي المتحركة، ناهيك عن تعطّل المصاعد بسبب انقطاع التيّار الكهربائي في معظم الأحيان. وليتمكّن عبد الله من مواصلة تعليمه، أصرّ على نقل صفّه إلى الطابق الأرضي من المبنى.

عبّر عبد الله عن الصعوبة الشديدة التي واجهته في اعتماده على الآخرين قائلاً: "أحياناً، أنسى أمر إصابتي وأتصرّف بعفوية". تفرض العزلة النفسية والاجتماعية مستوىً آخر من التحديات الواجب التغلُّب عليها، إذ يشعر عبد الله في الغالب أنّ الآخرين يلقون اللوم عليه لما حدث.

يحلم عبد الله بالحصول على أطراف اصطناعية وبالتسجيل في إحدى الجامعات، مع العلم أنه مقتنع تماماً بأن فرصة الحصول على وظيفة بعد التخرّج شحيحة وشبه معدومة.