القانون الدولي الإنساني والسياسات بشأن

الألغام المضادة للأفراد

تستمر الألغام المضادة للأفراد في قتل البشر وتشويههم حتى بعد انتهاء النزاع، والمدنيون في المقام الأول هم من يعانون من تداعياتها المروعة.

Various antipersonnel mines, 40mm grenade and part of mortar shell in Iraq.

الآثار المدمرة للألغام المضادة للأفراد

تخلف الألغام المضادة للأفراد إرثًا يستمر أمدًا بعيدًا؛ فهي إن لم تقتل، تُحدث إصابات ومعاناة شديدة. وغالبًا ما يسفر عن الوطء على لغم إصابة أو قتل شخص أو أكثر، وكثيرًا ما يكون هؤلاء الضحايا من الأطفال، مع ما يترتب على ذلك من عواقب ينوء بها الضحايا وأسرهم مدى الحياة. ووجود ألغام أرضية يجعل من المستحيل استخدام مساحات شاسعة من الأراضي، ما يعرض إنتاج الغذاء لخطر بالغ ويدمر سبل العيش. وغالبًا ما يستمر تأثير الألغام المضادة للأفراد على المجتمعات عقودًا. 

ولهذا السبب، اعتمد المجتمع الدولي في عام 1997 اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد، التي تحظر استخدام وإنتاج وتخزين ونقل هذه الأسلحة، وتقضي باتخاذ تدابير لمنع ومعالجة ما ينجم عنها من آثار طويلة الأمد. 

وقد كانت حملة حظر الألغام المضادة للأفراد إحدى المبادرات الإنسانية المهمة خلال العقود الثلاثة الماضية. ودعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إلى جانب دول والحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية والأمم المتحدة، إلى فرض حظر شامل على استخدامها وتخزينها وإنتاجها ونقلها. واستجابت الدول لذلك باعتماد اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد. ولكن تلك الخطوة كانت مجرد البداية، إذ لا بد من أن يتبعها تنفيذ الاتفاقية. 

واليوم، بعد مرور أكثر من 20 عامًا على اعتماد الاتفاقية، أُحرز تقدم كبير، ولكن لا تزال هناك تحديات هائلة، ولا سيما فيما يتعلق بإزالة الألغام التي لا تزال مدفونة في الأرض، وكذلك تخفيف معاناة المصابين وأسرهم. 

وقد انضم حاليًا أكثر من ثلاثة أرباع بلدان العالم إلى اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد. وتجدر الإشارة إلى أن الاستخدام الجديد للألغام من جانب الدول، حتى تلك التي ليست أطرافًا في الاتفاقية، أمر نادر الحدوث. وحتى وقت قريب، كان ثمة انخفاض مطّرد في المعدل السنوي للضحايا الجدد للألغام وغيرها من مخلفات الحرب القابلة للانفجار. بيد أن الصورة بدأ ت تتغير، ويعزى ذلك في المقام الأول إلى استخدام الألغام يدوية الصنع في بعض البلدان التي تشهد نزاعات مسلحة في الوقت الراهن. والنتيجة هي أن آلاف الضحايا يسقطون سنويًا نتيجة ألغام وغيرها من مخلفات الحرب القابلة للانفجار – موروثة من نزاعات ماضية أو تُستخدم في نزاعات جارية – في 56 بلدًا وإقليمًا. 

وعادة ما يحتاج الأشخاص المصابون بالألغام الأرضية وغيرها من مخلفات الحرب القابلة للانفجار إلى رعاية طوال حياتهم. وتُلزم اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد الدول بتقديم المساعدة لمئات الآلاف من ضحايا الألغام، الذين يعيش معظمهم في بلدان تفتقر إلى مرافق الرعاية الصحية وإعادة التأهيل. ورغم أن إدراج مساعدة الضحايا في الاتفاقية كان بمثابة إنجاز كبير، فإن التقدم المُحرَز في هذا الصدد بطيء. لقد كان هناك تحسن عام في قدرة الدول الأطراف على جمع البيانات وكسب فهم أوضح لاحتياجات الضحايا، لكن ليس لدى الكثير منها خطة وطنية لمساعدة الضحايا ولا تقدم خدمات كافية لأولئك الذين يعيشون في مناطق نائية. ونتيجة لذلك، لم يشهد العديد من الناجين بعد تحسنًا ملحوظًا في حياتهم وفي حصولهم على الرعاية الطبية وخدمات إعادة التأهيل البدني والدعم النفسي والخدمات الاجتماعية والتعليم والتوظيف. 

وتحدد الاتفاقية أيضًا أهدافًا واضحة لإزالة الألغام، إذ تمنح كل بلد مهلة عشر سنوات لإزالة الألغام من أراضيها. ومنذ اعتماد الاتفاقية، طُهرت آلاف الكيلومترات المربعة من الألغام، وأفادت تقارير بأن 30 دولة طرفًا في الاتفاقية لديها مناطق كانت تُعرف، أو يُشتبه في احتوائها على هذا النوع من الألغام باتت حاليًا خالية من هذه الأسلحة. وتجري عملية الإزالة في 30 دولة أخرى، علمًا أن معظمها اضطر إلى تمديد الموعد النهائي الأصلي المحدد بعشر سنوات. 

كما يتعين على الدول الأطراف تدمير مخزوناتها من الألغام المضادة للأفراد. وقبل اعتماد الاتفاقية، أفادت تقارير بأن أكثر من 130 دولة تمتلك هذه الأسلحة. ومنذ ذلك الحين، دمرت الدول الأطراف ما يربو على 53 مليون لغم. واليوم، تشير التقديرات إلى أن نحو 30 دولة فقط – ثلاث منها فقط أطراف في الاتفاقية – ما زالت تخزن ألغامًا مضادة للأفراد. 

وقد أظهر مؤتمر الاستعراض الثالث للاتفاقية – الذي عُقد في عام 2014 في مابوتو بموزمبيق – الموقف الديناميكي والموجه نحو النتائج للدول التي انضمت إلى تلك المعاهدة. وللتصدي للتحديات المستمرة، اعتمد المؤتمر خطة عمل مابوتو، التي تنص على التزامات قوية لتحسين العمل في مجالات مساعدة الضحايا وتدمير المخزونات وإزالة الألغام، بالإضافة إلى التزام صريح بتحقيق الأهداف الرئيسية للاتفاقية بحلول عام 2025. ومع التنفيذ الحازم والموارد المستدامة، يمكن تحقيق هذه التطلعات.

من مجلة الإنساني