منشور

الرعاية الصحية في خطر: الدفاع عن القضية

يهدف هذا الكتيب إلى لفت الانتباه إلى واحدة من القضايا الإنسانية الأكثر أهمية اليوم والتي يتم تجاهلها مع ذلك، وهي قضية العنف ضد الرعاية الصحية. فالهجمات التي تستهدف مرافق الرعاية الصحية والعاملين في هذا المجال وسيارات الإسعاف، فضلاً عن الإعاقة المتعمدة لمساعي الجرحى للحصول على المساعدة، هي خصائص مشتركة للنزاعات في مختلف أنحاء العالم.

فقد تعرضت المستشفيات للقصف في سري لانكا والصومال، وأطلقت النار على سيارات الإسعاف في ليبيا ولبنان، بينما يقدم في البحرين أفراد الطواقم الطبية الذين عالجوا المحتجين إلى المحاكمة، ويقبع الجرحى في أفغانستان ساعات طويلة داخل سيارات موقوفة في طوابير عند نقاط التفتيش. ومن كولومبيا إلى غزة ومن جمهورية كونغو الديمقراطية إلى نيبال، نلاحظ غياب الاحترام الواجب لحياد مرافق الرعاية الصحية والعاملين في هذا المجال، والسيارات الطبية، سواء من جانب أولئك الذين يهاجمون تلك الخدمات أم من جانب الذين يسيئون استخدامها من أجل تحقيق مكاسب عسكرية.

وقد دأبت اللجنة الدولية منذ العام 2008 على جمع البيانات المتعلقة بأعمال العنف ضد مرافق الرعاية الصحية والعاملين في هذا المجال وضد المرضى في 16 بلداً تعمل داخلها. وكان عدد الحوادث المسجلة مذهلا علماً أن هذه الإحصائيات لا تمثل إلا غيضاً من فيض، فهي لا تشمل الآثار المتراكمة للعنف، أي ما يحدث من مغادرة عاملين في الرعاية الصحية لمواقع عملهم، ونفاد الإمدادات من المستشفيات، وتوقف حملات التطعيم. وتؤدي هذه الآثار المتعددة والخطيرة إلى الحد إلى درجة كبيرة من إمكانية حصول مجتمعات محلية بأكملها على الرعاية الصحية علماً أن الكثيرين من أفرادها قد يعانون من مشاكل صحية مزمنة أو ذات صلة بالحرب.

إن الهجمات المتعمدة على مرافق الرعاية الصحية والعاملين في هذا المجال وعلى المرضى والسيارات الطبية تكاد تشكل دائماً انتهاكاً للقانون الدولي. ذلك أن اتفاقيات جنيف وبروتوكوليها الإضافيين تؤكد على حق الجرحى والمرضى، من المقاتلين والمدنيين على حد سواء، في تجنيبهم المزيد من المعاناة أثناء النزاعات المسلحة وفي الحصول على المساعدة. وسعياً إلى ضمان ذلك عملياً تُمنح الحماية لمرافق الرعاية الصحية والعاملين في هذا المجال وللسيارات الطبية طالما يؤمَن الحفاظ على الحياد ومعاملة جميع المرضى على نحو متساو بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الدينية أو العرقية. وتُميّز المنشآت الطبية والسيارات، ويُعرّف العاملون الصحيون بصورة واضحة بواسطة رموز للحماية مثل الصليب الأحمر والهلال الأحمر والكريستالة (البلورة) الحمراء. وعلاوة على ذلك يلزم القانون جميع أطراف النزاع بالبحث عن الجرحى وجمعهم بعد المعارك، وتسهيل وصولهم إلى مرافق الرعاية الصحية. إلا أن هذه القوانين الملزمة للجميع لا تكون دائماً موضع احترام.

وتبذل اللجنة الدولية للصليب الأحمر وشركاؤها في الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر كل الجهود الممكنة لإيجاد طرق للوصول إلى الجرحى ومساعدتهم أثناء النزاعات المسلحة والاضطرابات الداخلية، وحماية مرافق الرعاية الصحية. وتكون بعض المبادرات قانونية بحتة مثل نشر المعرفة بالقانون الدولي الإنساني لدى الجهات الفاعلة من الدول وغير الدول، وإثارة موضوع الانتهاكات معها في حال حدوثها.

وتأخذ مبادرات أخرى شكلاً أكثر مادية مثل حماية المستشفيات بأكياس الرمل ولصق الرقائق الحامية من عصف الانفجار على النوافذ ووضع شارات الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر على سطوحها وجوانبها، أو تدريب طواقم سيارات الإسعاف على تقنيات الوصول الآمن إلى الجرحى والمرضى. وتتمثل بعض المبادرات في تدابير مبتكرة تلبية لحاجات محلية مثل تاكسي نقل الجرحى من خطوط الجبهة إلى المستشفيات في جنوب أفغانستان.

ويظل هناك الكثير مما يجب تنفيذه لوقف العنف ضد خدمات الرعاية الصحية قبل حدوثه. ويتوجب على المقاتلين والدول احترام القانون ولهذا تقع المسؤولية الأولية في حماية الرعاية الصحية على عاتق المقاتلين والدول وليس على المنظمات الإنسانية التي تواجه نتائج الانتهاكات على الدوام. وتطلق اللجنة الدولية حملة واسعة تهدف إلى التوعية بهذه القضية الملحة، وحشد اهتمام مشترك بها. وسوف تستمر هذه المبادرة العالمية لمدة أربع سنوات وتسعى إلى إحداث تغيير فعلي في أرض الواقع بالنسبة للأشخاص المتضررين.