مقال

شهادة من الميدان: أن نحول الحزن إلى طاقة إيجابيةً

الذكرى التي سأشارككم إياها يشوبها الحزن، إلا أنني لا أعتقد أنها سلبية تماماً؛ وذلك لأني أومن بأنها جزء لا يتجزء من عملنا، الذي قد لا نرغب بالحديث عنه وربما نفضل تجاهله لأنه يذكرنا بأحداث مفجعة. وما أعنيه هنا هو الخطر الذي يحدق بنا كموظفين باللجنة الدولية في أثناء تأديتنا لمهمتنا التي تمليها علينا المهنة التي اخترناها، وخصوصاً في أماكن خطرة أو في مناطق مزقتها النزاعات.

لعل أكثر التجارب التي تركت أثراً بالغاً في نفسي خلال سنوات عملي مع اللجنة الدولية، مع نجاتي المتكررة من الموت. ولا يمكن لشيء أن يكون أكثر إيلاماً من موت زميل لك بين يديك، ولا يمكن لشيء أن يترك أثراً في روحك أكثر من ذلك حيث تتقاذفك مشاعر عدة تترواح بين الغضب واليأس والاضطراب الذي يشلّ تفكيرك المتزن، مما يترك علامة غائرة في نفسك لا يمحوها الزمن ما حييت. أعود وأكرر أن ما حدث معي آنذاك لم يكن سلبياً بالمطلق. وما أدركته بعد تقبلي لما حدث، وبعدما أمعنت التفكير فيه هو أننا نعمل غالباً مع أشخاص قد لا نعي كم هم رائعون، ولا ندرك قيمتهم إلا في مثل هذه اللحظات العصيبة.

حسين صالح هو أحد هؤلاء الزملاء الرائعين الذين يأسرونك ببساطة بإنسانيتهم وعطفهم. هذا الشعور نادر الوجود بالاهتمام، والتفاعل مع الآخرين بكافة السبل الممكنة، والتعاطف معهم، والإنصات لهمومهم ومحاولة معالجتها، يأسرك ويستحوذ عليك.

يخالجك ذلك الشعور الذي يجعلك تدرك أنك محاط بأناس طيبين، وبأنك تنتمي لتلك العائلة التي تستحق بذل كل التضحيات الغالي منها والنفيس.

وإذا كان لي أن اختار إحدى الذكريات لتؤثر فيّ فيما تبقى لي من العمر ستكون حادثة فقدان حسين في شهر حزيران/ يونيو 2012 في اليمن خلال إحدة مهماتنا الميدانية. تبقى الذكرى أليمة جداً، ولكن ما يبعث على العزاء والسلوى هو أن هذه الحادثة الموجعة أتاحت لي الفرصة لاكتشاف أناس رائعين مثله، وسمحت لي أن أرى الحياة بصورة أكثر وضوحاً وجلاءً.

*كتبه: يحيى خليل، نائب رئيس بعثة اللجنة الدولية الإقليمية – الكويت

تم نشر هذا النص في العدد رقم 56، شتاء 2014، من مجلة "الإنساني"، التي تصدر فصلياً عن مركز الإعلام الإقليمي بالقاهرة – اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والأراء الواردة به لا تعبر إلا عن وجهة نظر أصحابها، الذين سبق لهم -ومن يهمهم الأمر- الموافقة على نشرها.