مقال

آمال وأحلام لاجئ سوري في الأردن

في منتصف شارع العباس بن عبد المطلب المزدحم للغاية في مأدبا، يقع نشاطٌ تجاريٌّ مزدهر لبيع الفحم بإدارة خالد عباس، وهو لاجئ سوري في الأردن. يعتبر موقع المتجر في هذه المنطقة التجارية المزدحمة وحقيقة أنه يستطيع استئجار مثل هذه المنشأة، شاهدًا على نجاحه المتزايد.

لم يحلم خالد على الدوام بالعمل في قطاع الفحم، فقد كان طالبًا جامعيًّا يكمل آخر سنةٍ دراسية له في تخصص إدارة الأعمال قبل أن يسعى للجوء إلى الأردن من سوريا في عام 2013. بالإضافة إلى ذلك، امتلك خالد متجره الخاص في سورية، حيث باع القرطاسية واللوازم المدرسية.

عندما اندلعت الحرب عام 2011، حاول خالد وعائلته البقاء في حمص، مسقط رأسهم، ولكن المعاناة التي شهدوها دفعتهم لمغادرتها واللجوء إلى الأردن في عام 2013.

في ظل اشتياقه لشوارع حمص ومباني جامعته وألوان متجره الصغير، تحتّم على خالد أن يغير حياته بالكامل، لتتحول شوارع حمص إلى شوارع مأدبا، ومباني جامعته إلى جدران المصنع وتحولت ألوان محله التي تضج بالحياة إلى اللون الأسود.

خالد لاجئ سوري مسجل في برنامجنا لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة والآن يمتلك مشروعا ناجحا في مجال الفحم. تصوير: رفاه الحديدي

"الذكريات تؤلمني، لا أريد أن أتذكر حياتي في حمص"، تحدّث خالد والدموع تترقرق في عينيه.

مستحضرًا تجاربه في سورية، أكّد خالد على أن خبرته العملية وتخصصه الدراسي قد ساعداه لاحقًا في الأردن عندما بدأ العمل في مصنع للفحم كموظف تعبئة. ليصبح فيما بعد أمين مخزن ومن ثم قائد فريق مسؤول عن إدارة مجموعة من الموظفين وبعض الجوانب المالية للمصنع، الذي خوّله من اكتساب أصدقاءٍ وخبرةٍ ساعدتاه فيما بعد على أن يصبح مستقلًا ماديًا.

كانت والدة خالد تدير متجر الفحم، وفي نفس الوقت، كانت واحدة من اللاجئين الذين تدعمهم اللجنة الدولية للصليب الأحمر من خلال منح إدارة الأعمال التجارية الصغيرة. إلّا أنها لم تستطع الاستمرار في العمل بعد أن وصلت الثمانين من العمر، ليتولى حينها خالد مسؤولية العمل وإدارته وتوسيعه.

وفي هذه المرحلة، دخلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر حياة خالد للمرة الثانية وساعدته على توسيع نطاق عمله بمنحة مالية. "هذه المنحة السخية عنَت الكثير لي ولعائلتي"، قال خالد، مضيفًا أن المنحة النقدية ساعدته على توسيع أعماله من أجل تلبية الاحتياجات اليومية لعائلته المكونة من 6 أفراد.

وفي حديثه عن وباء كوفيد-19 وتأثيره على حياته، قال خالد إن "كوفيد -19 ألحق بي الضرر من ثلاثة جوانب مختلفة". وأوضح أن الجانب الأول كان الجانب التجاري حيث كان يشتري الفحم من المستوردين الذين يجلبونه من مصر ونيجيريا وتونس. لكن مع القيود التجارية التي تم فرضها لمنع انتشار الفيروس، تأثر عمل المستوردين، مما أثر بالتالي على عمل خالد.

وعبر خالد عن الوضع الصعب الذي واجهه خلال الإغلاق بسبب الإجراءات الوقائية المتعلقة بكوفيد-19، قائلاً: "معظم زبائني هم من المطاعم والمقاهي والعائلات التي تذهب لرحلات. وأثناء فترة انتشار الوباء، تم إغلاق هذه الأماكن، مما أثر على عملي بشكل كبير". وعلى المستوى الشخصي، عانى خالد وعائلته أيضًا من فيروس كوفيد-19 واختبر كل منهم أعراضًا مختلفة مما جعله ينعزل في المنزل، غير قادر على إعالة أسرته.

متأمّلًا خططه وتطلعاته المستقبلية، ابتسم خالد وقال إنه يرغب في إكمال دراسته، وأضاف أنه عندما وصل إلى الأردن، حاول القيام بذلك، لكن الأمور لم تنجح لأنه لم يتمكن من حضور محاضراته يوميًّا بسبب عمله ومسؤولياته.

مغادرًا حمص في سن 27، مع أم وأخت لإعالتهما، أصبح خالد الآن رجلًا في الخامس والثلاثين من العمر، لديه ثلاثة أطفال؛ يبلغ أصغرهم 6 أشهر فقط، بينما سيدخل ابنه الأكبر الصف الأول هذا العام. خالد، الذي لا  يعرف ما يخبئه المستقبل، يحاول أن يحافظ على تفاؤله كونه يمتلك عائلة محبة تساعده على تخفيف حدّة التجارب الصعبة التي مر بها.