بيان

"أكثر من أي وقت مضى.. لا بد أن تتخذ الدول الآن خطوات جريئة لاحترام القانون الدولي الإنساني ولتخفيف الأضرار التي تلحق بالمدنيين العالقين في براثن النزاع."

خطاب ألقاه السيد "بيتر ماورير"، رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) حول الجزء المتعلق بالشؤون الإنسانية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة. 22 حزيران/يونيو 2022، نيويورك.

السيد الرئيس، حضرات المندوبين الكرام،

أنا ممتن لإتاحة الفرصة لي لمخاطبتكم: يأتي موضوع حلقة النقاش هذه في توقيت مناسبٍ للغاية إذ تتواصل التحديات المتعددة التي تواجهها المنظمات الإنسانية في النزاعات المسلحة - القديمة والجديدة على حد سواء.

وترى اللجنة الدولية هذه التحديات عن كثب يوميًا من خلال عملياتها الممتدة في أكثر من 80 بلدًا. واستجابة لذلك، وضعنا ممارسات جيدة لمعالجة القضايا المتعلقة بإمكانية الوصول للمساعدات الإنسانية وإيصالها، ولتعزيز احترام القانون الدولي الإنساني.

والأكثر أهمية: القانون الدولي الإنساني وهو يشكل مجموعة حية من القواعد القانونية صممت لتقديم التوجيهات بشأن حقيقة الحرب المشينة. بيد أنه لا يمكنها أن تؤتي ثمارها دون أن تكون مصحوبة بجهود لتغيير السلوكيات. ولمساعدة الأطراف المتحاربة على فهم التزاماتها، تواصل اللجنة الدولية الحوار مع الشرطة والقوات المسلحة، فضلاً عن أكثر من 460 جماعة مسلحة من غير الدول، في أكثر من 110 من البلدان حول العالم.

نشرت اللجنة الدولية مؤخرًا وثيقة شاملة تحدد 12 تحديًا رئيسيًا للقانون الدولي الإنساني. ويوجز التقرير الخطوات العملية التي يمكن أن تتخذها الدول في مجالات مثل: الأشخاص المفقودين، وتقنيات الحرب الجديدة، والصدمات الجنسانية والمناخية. ومن الأهمية بمكان الآن أكثر من أي وقت مضى، أن تتخذ الدول خطوات جريئة لاحترام القانون الدولي الإنساني ولتخفيف الأضرار التي تلحق بالمدنيين العالقين في براثن النزاع.

أود أن أقدم بعض الاقتراحات بشأن كيفية تلمس الطريق خضم تلك التحديات الصعبة، التي تتفاقم بسبب أزمة المناخ وجائحة كوفيد-19 والآثار الضارة المترتبة على النزاع المسلح في أوكرانيا.

أولًا، وبصورة متزايدة، تندلع الحروب في قلب المدن. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، شهدنا التكلفة الإنسانية المروعة عند استخدام أسلحة متفجرة ذات آثار واسعة النطاق في المناطق المأهولة بالسكان. إذ لقي عدد لا يحصى من البشر حتفهم أو أصيبوا بجروح.

كذلك تُدمر البنية التحتية المدنية: من مستشفيات، ومدارس، وأنظمة المياه، والصرف الصحي، والكهرباء. ويتضمن ذلك أيضًا النظم الغذائية إذ تعرقل النزاعات سلاسل الإمداد والأسواق.

وأول مطالبنا هنا هو أنه يجب على الدول اتخاذ تدابير وقائية وتخفيفية، والعمل بشكل فردي وجماعي، لتنفيذ قيود وحدود مشددة على استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان، بما في ذلك تجنب استخدامها.

قدمت اللجنة الدولية بعض التوصيات في أحدث تقرير حول الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة استنادًا إلى تحليل استمر عقدًا من الزمان حول آثارها المدمرة. بالإضافة إلى ذلك، على خلفية تحول النزاعات المسلحة إلى المناطق الحضرية، نحث الدول الأعضاء أيضًا على تفعيل قرار مجلس الأمن التاريخي رقم 2573 و"تطبيقه في بلادهم".

ثانيًا، في السنوات الأخيرة، باتت النزاعات المسلحة أكثر تعقيدًا. إذ شاركت العديد من الدول في نزاعات خارج أراضيها، من خلال عمليات عسكرية مشتركة أو غيرها من أشكال الدعم للأطراف المتحاربة.

ويمكن أن تؤدي علاقات الدعم هذه إلى زيادة المخاطر الإنسانية. وعندما تعمل الجهات الفاعلة المسلحة جنبًا إلى جنب ضمن ائتلافات مرنة ليس بها وضوح في التنسيق فيما بينها، يمكن أن تصبح حدود المساءلة غير واضحة، وتضعف المسؤوليات. لكن التأثير الموجه على نحوٍ صحيح يمكن أن يحدث فارقًا إيجابيًا على الصعيد الإنساني.

لذلك، فإن مطلبنا الثاني هو أن تعمل الأطراف التي تشارك في ائتلافات أو علاقات دعم، على تحسين سبل المساءلة والامتثال للقانون الدولي الإنساني من خلال تنفيذ تدابير عملية وآليات رقابة. وبإيجاز، يجب أن يضع بعضكم بعضًا موضع المساءلة.

ثالثًا، إلى جانب التطورين السابقين، رأينا كيفية مساهمة المعلومات الكاذبة، والمعلومات المضللة، وخطاب الكراهية في تسريع دينامية النزاع والعنف.

مطلبي الثالث: نحث الدول وغيرها من السلطات ذات الصلة على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لكفالة امتثال المعلومات أو عمليات التأثير التي تنفذ في حالات النزاع للقانون الدولي الإنساني وغيره من قواعد القانون الدولي. وينبغي ألا تؤدي هذه الأنشطة أو تساهم في حدوث عواقب إنسانية للأشخاص المتضررين وألا تؤثر سلبًا على عمل المنظمات الإنسانية المحايدة وغير المتحيزة.

رابعًا، نشهد تزايد الآثار السلبية للعقوبات وتدابير مكافحة الإرهاب على المساعدات الإنسانية. فقد تحد هذه الإجراءات من قدرة اللجنة الدولية على إيصال المساعدات الإنسانية، وزيارة الأشخاص المحتجزين لدى الجماعات الموضوعة على قوائم الإرهاب، واستعادة الجثث، وتدريب الجماعات المسلحة على القانون الدولي الإنساني، وتيسير تبادل المحتجزين.

مطلبي الرابع: يجب على الدول أن تحد من التأثير الإنساني للتدابير والعقوبات المتعلقة بمكافحة الإرهاب من خلال وضع استثناءات جيدة الصياغة ودائمة للأنشطة الإنسانية.

نعترف بوجود بعض التطورات الإيجابية، بما في ذلك من خلال قرار مجلس الأمن 2615 التي أوجدت استثناءًا إنسانيًا ثابتًا في نظام عقوبات طالبان يسمح للجنة الدولية وغيرها من الجهات باستمرار الوصول إلى السكان المستضعفين في أفغانستان. ويأتي هذا بمثابة نموذج لأنظمة العقوبات وندعو الدول الأعضاء إلى مواصلة تعديل تشريعاتها من أجل التنفيذ الكامل لهذه القرارات.

خامسًا: من الأهمية بمكان أن يُسمح للمنظمات الإنسانية المحايدة وغير المتحيزة بتقييم احتياجات السكان المتضررين بشكل مباشر والحفاظ على تحكمها بشكل مستقل في توزيع المساعدات.

مطلبنا الخامس هو ألا يتم منع الوصول للسكان المتضررين أو حجبه بشكل غير قانوني. يجب على الدول الأعضاء الامتناع عن تجريم الحوار مع أطراف النزاع أو عرقلته. بل على العكس من ذلك، يقع على عاتق الدول التزام بتيسير عمل الجهات الفاعلة الإنسانية المحايدة والمستقلة وغير المتحيزة مثل اللجنة الدولية.

في الختام، سيدي الرئيس، زملائي الأعزاء، ستواصل اللجنة الدولية الانخراط بشكل بناء وشفاف مع الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية لتيسير العمل الإنساني. نحن بحاجة إلى تعزيز التعاون الدولي والحوار، وتعزيز احترام القانون الدولي الإنساني، ونعول على الدعم القوي من جميع الدول الأعضاء.

شكرًا لكم.