مقال

السودان: البقاء في المنزل والانقطاع عن العمل، ليس خيارًا متاحًا للجميع

ليس بإمكان الجميع في هذه الأوقات التي يخيم عليها عدم اليقين وتبعث على القلق الشديد، ممارسة التباعد الاجتماعي، أو الانقطاع عن العمل. فلنأخذ على سبيل المثال، رحمة حسن عبد الله، وخديجة آدم عمر. كلتاهما تشاركان في مبادرات الاقتصاد الجزئي التي تقدمها اللجنة الدولية لدعم الفئات المستضعفة من ذوي الإعاقة واستفادتا من خدمات مركز إعادة التأهيل البدني التابع للهيئة الوطنية للأطراف الصناعية وتقويم العظام في نيالا، جنوب دارفور بدعم من اللجنة الدولية.

تعلمت رحمة من والدتها منذ نعومة أظافرها كيفية صناعة العطر من خشب الصندل والمكونات الطبيعية الأخرى. ولم يكن يجول بخاطرهما في ذلك الوقت أن هذه المعرفة ستجدي نفعًا بعد عقود.

لم تمنعني إعاقتي أبدًا من فعل ما أريد.

رحمة حسن عبدالله

في سن الثانية عشرة، أصيبت رحمة بشلل الأطفال، ما سبب لها إعاقة شديدة وعجز عن الوقوف. لكن كان ذلك أبعد ما يكون عن ثنيها عن تحقيق أحلامها، فقد اعتبرته تحديًا. وعلقت قائلة: "إعاقتي لم تمنعني أبداً من فعل ما أريده. حقًا لم تعوقني على الإطلاق."

في عام 2019، تقدمت رحمة، التي تبلغ من العمر الآن زهاء 40 ربيعًا، ومستفيدة من خدمات مركز إعادة التأهيل البدني التابع للهيئة الوطنية للأطراف الصناعية وتقويم العظام في نيالا، بطلب للحصول على منحة مبادرات الاقتصاد الجزئي من اللجنة الدولية. حظيت فكرتها المبتكرة والاستثنائية والمخطط لها جيدًا لبيع العطور والفساتين وحلي التزين للزواج بالثناء، وحصلت على 25,000 جنيه سوداني (500 دولار أمريكي).

رحمة تعرض مستحضر الدلكة لإحدى زبائنها في محل التجميل الخاص بها. المصور: Jessica Barry

يهدف برنامج مبادرات الاقتصاد الجزئي التابع للجنة الدولية إلى مساعدة المستفيدين من خدمات الهيئة الوطنية للأطراف الصناعية وتقويم العظام على مواصلة إدماجهم في المجتمع من جديد بعد العلاج وإعادة تأهيلهم. بدأ البرنامج في نيالا في عام 2013. حصل 453 مستفيدًا من خدمات مركز الهيئة الوطنية للأطراف الصناعية وتقويم العظام حتى الآن على منح ويديرون الآن شركات صغيرة ناجحة بفضل الأموال التي حصلوا عليها لبدء المشروع. تُدفع المنح على قسطين، جزء في بداية المشروع، والمبلغ المتبقي بعد الشهر الأول، عندما يبدأ العمل بالفعل. تقدم اللجنة الدولية خدمات الدعم والرصد.

حولت رحمة، من خلال الدعم المالي الذي تلقته، الغرفة التي تقطنها في منزل شقيقها إلى مَحَلٌّ تِجَارِيّ. وضعت زجاجات وحاويات تحتوي على رائحة محلية الصنع على طاولة منخفضة بجانب السرير، جنبًا إلى جنب مع قلادات وأساور وحلي أخرى ترتديها العروس في يوم زفافها. كما اشترت فستاني زفاف، أحدهما أحمر والآخر أزرق، وتأجرهما يوميًا مقابل 300 جنيه سوداني - نحو 5 دولارات أمريكية.

أنا لست متزوجة، ولكن لدي الكثير من النصائح عن التجميل لمشاركتها مع عرائس المستقبل.

رحمة حسن عبدالله

في صباح أحد الأيام في الآونة الأخيرة، فتحت رحمة متجرها كالمعتاد وانتظرت العملاء. سرعان ما وصلت شابة وطلبت مستحضر الدلكة، وهو مستحضر لتنظيف وتبييض البشرة وتقشيرها قبل الاستحمام. تجاذبتا أطراف الحديث لبعض الوقت، ثم غلفت لها رحمة المستحضر وغادرت الفتاة. رحمة تبتسم قائلة: "لست متزوجة، لكن لدي الكثير من النصائح التجميلية لمشاركتها مع عرائس المستقبل. الدلكة، يجعل بشرتك ناعمة ويمنحك الطاقة. يجب أن نستخدمه قبل الزفاف."

وعلى مقربة من متجر رحمة، كانت خديجة ذات الـ 24 ربيعًا، وهي الأخرى تلقت مساعدات من مبادرات الاقتصاد الجزئي، تستهل يومها أيضًا. انضمت خديجة، وهي ضحية لمرض شلل الأطفال إذ تعاني من شلل جزئي بإحدى ساقيها وإحدى ذراعيها، إلى برنامج مبادرات الاقتصاد الجزئي العام الماضي. كانت فكرتها أكثر طموحًا من رحمة. إذ كانت ترغب في صنع الآيس كريم.

خديجة في المنزل حيث تعد آيس كريم محلي الصنع. المصور: Jessica Barry

ونظراً لأجواء الصيف الحارقة في السودان، فإن الاحتفاظ بالآيس كريم مجمّدًا في كوخ ضيق مكون من غرفة واحدة في مستوطنة نازحين، حيث لا توجد مياه جارية، وإمدادات كهرباء متقطعة، يمثل تحديًا لأكثر الناس شجاعة وإصرارًا. لكن بالنسبة لخديجة، لم تكن التحديات وليدة اللحظة. إذ هاجر والداها الرعاة إلى نيالا عندما كانت طفلة، بعد أن فقدا ماشيتهما أثناء النزاع في دارفور. على الرغم من أن والديها وخمسة أشقاء قد عادوا الآن إلى ممارسة حياتهم السابقة، إلا أنها واصلت حياتها في نيالا لإعالة أسرتها.

تلقت خديجة منحة بقيمة 25,000 جنيه سوداني واشترت ثلاجة بالأموال التي تلقتها لبدء المشروع. تشغل الثلاجة نصف المساحة تقريبًا في غرفتها الصغيرة، إلى جانب سرير وكرسيين وصندوق مبرَّد وبعض الرفوف المكدسة بالملابس. ولصنع الآيس كريم، تشتري عصير برتقال ومشروب "الكركديه" المصنوع من زهرة الكركديه الحمراء، وتخلط كلاهما معًا مع السكر، وتسكبهما في أكياس بلاستيكية صغيرة وتضع المشروب في الثلاجة لتجميده.

تتجول خديجة يوميًا ومعها الآيس كريم بألوانه الرائعة في الصندوق المبرد، وترتدي دعامة ساق لمساعدتها في المشي، وسط التجمعات السكانية المحلية لبيع منتجها للأطفال هناك مقابل جنيهين سودانيين. وخلال فترة الفصل الدراسي، تذهب إلى المدارس أيضًا. وعندما ينقطع التيار الكهربائي ويذوب الجليد، تبيع العصير.

أتوق للعودة، لكنني مضطرة لإعالة أسرتي.

خديجة آدم عمر

حياة خديجة ليست بالحياة اليسيرة، وتعترف بأنها تشعر بالحنين إلى حياتها الرعوية السابقة. تنهدت قائلة: "يتوفر الماء والحطب والحليب هناك مجانًا. أود أن أعود، لكن عليّ أن أبقى لإعالة أسرتي."

واليوم، في ظل تفشي جائحة كوفيد-19 وآثارها على كل مناحي الحياة في العالم، أصبحت الفئات المستضعفة والفقراء على مستوى العالم أكثر عرضة للمخاطر من أي وقت مضى. وفي حين تنهال التوجيهات من الأطباء ووكالات العون والسلطات الحكومية والأمم المتحدة للناس للبقاء بشكل آمنًا، والحفاظ على التباعد، والبقاء في منزلهم، تعيش رحمة وخديجة، مثل الملايين من الأشخاص عيشة الكفاف ولا خيار أمامهم سوى مواصلة العمل. إذا أغلقت رحمة متجرها، فستفقد مدخراتها الضئيلة في غضون أيام. ليس لدى خديجة مدخرات. إذا لم تستطع بيع الآيس كريم، فلن تستطيع أن تجد قوت يومها، لا هي، ولا عائلتها، في واقع الأمر.