"بعد أن كان زوجي الذي يعمل بعيداً عنا بالكاد يرسل ما يسد رمق العائلة، وبعد أن كنت اضطر للاستدانة من الأصدقاء والجيران، بت أكسب ما يكفي، حتى أنني أصبحت أدخر للمستقبل" هكذا تقول (نسيمة)، ربة البيت ذات الأربعين عاماً، وأم لـ (جنى - 8 أعوام) و (موسى - 5 أعوام)، بعد أن بدأت مشروعها الصغير في صناعة المخللات التقليدية الشهية. تضيف (نسيمة): "أتمنى أن تُنهي ابنتي وولدي تعليمهما الجامعي، لا أريدهما أن يكبرا أميين مثلي".
كانت الصدمة الأكبر لـ (سلامة)، المرأة الشابة ذات الثلاثين ربيعاً، عندما فقدت صغيراتها الثلاث أباهن وسندهن في الحياة بسبب الحرب الدائرة.
تقول (سلامة): "كنا نشعر بالأمان عندما كان زوجي بيننا، وبعد أن مات انقلبت حياتنا رأساً على عقب".
لم تسلم (سلامة) من نوائب الدهر، ولكنها قررت أن تصنع مستقبلها وبناتها بنفسها، فصارت أناملها لا تبرح تحيك الأمل ألواناً في مشغلها. تقول )سلامة( وعيناها تشعان إصراراً: "لم يكن لدي خيار سوى العمل من أجل بناتي. علمتني ابنة أختي الخياطة، حصلت على ماكينة خياطة يدوية وبدأت في إصلاح ملابس الجيران القديمة." وتضيف بثقة: "يمكنني الآن تصميم وخياطة فساتين نسائية، لقد ذاع صيتي ونجحت في كسب المزيد من العميلات. آمل أن أبيع فساتيني لمحلات الأزياء في المدينة يوماً ما".
كانت صناعة البخور وكريم الجسم المعطر (الأخضرين) حلم وشغف بالنسبة لـ (نفيسة). بعد أن تقاعد زوجها وفي ظل ظروف الحرب الصعبة، صار الحلم ضرورة للبقاء.
"لم نعد قادرين على تحمل أعباء الحياة بعد تقاعد زوجي" هكذا تقول (نفيسة) الأم لخمسة أبناء، ورائحتها تفوح بمزيج أخاذ من العود والعنبر والمسك والعطور، رفقائها الجدد في رحلة اقتحام أعباء الحياة. تضيف (نفيسة): "تحسن وضعنا نوعا ما الآن، وبات بإمكاني تحمل تغطية تكاليف المعيشة الأساسية وتغطية نفقات تعليم أبنائي وعلاج ابنتي المريضة".
تساعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر هاته النسوة وعدد من الأسر في اليمن، لا سيما تلك الأسر التي تعيلها النساء، بدعم مشاريعها الصغيرة لضمان توفير مصدر دخل مساعد ومستدام لتلك الأسر.
ولكن الآلاف من الأسر تظل عاجزة عن مواجهة أعباء الحياة في ظل النزاع المسلح الدائر، ويحتاج اليمنيون إلى نهاية للنزاع القائم ليستطيعوا إعادة بناء حياتهم بأنفسهم وليضمنوا حياة كريمة لأبنائهم.