مقال

عاصفة العراق العاتية - أزمة مناخية وبيئية وسط الآثار التي خلّفتها الحرب

إذ يستعد العالم للدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، التي ستُعقد في المملكة المتحدة في وقت لاحق من هذا العام، من المهم ألّا يغفل العمل المناخي المجتمعات المتضررة من النزاعات. وفي مقالنا الأخير الذي يستكشف الصلة بين تغير المناخ والبيئة والنزاع، نركز على بعض المشاكل التي تواجه السكان في جنوب العراق.

ما هي الصور التي تتبادر إلى أذهانكم عندما تفكرون في الحرب في العراق؟ مدينة مدمرة كليّاً، وعائلة في حداد، وجنود يجوبون الشوارع.

وماذا عن العديد من أشجار النخيل الميتة؟ أو الأهوار القاحلة؟ ربما هي ليست من الأمور التي ستربطونها مباشرة بالحرب.

ومع ذلك، فهي مؤشرات تدل على الدمار الجائح الذي ألحقه النزاع بالبيئة في جنوب العراق.

ويقول السيد إيغور مالغراتي، المستشار الإقليمي لدى اللجنة الدولية للمياه والسكن: "يمكن للحرب أن تضعف البيئة وتقلب حياة الناس رأساً على عقب بعد فترة طويلة من سكوت هدير الأسلحة."

"يوجد في جنوب العراق بيئة متضررة بسبب سنوات من النزاع وسوء الإدارة البيئية وضعف الحكم. وعند إضافة تغير المناخ إلى هذا المزيج من المشاكل، ينتج عن ذلك عاصفة عاتية."

مناظر طبيعية مشوهة المعالم

إن أهوار العراق أرض رطبة ذات نظام إيكولوجي فريد تقع عند ملتقى نهري دجلة والفرات.

وفي أوائل تسعينات القرن الماضي، جُففت هذه الأهوار عمداً كوسيلة للانتقام من السكان الذين كانوا يعتبرون من المتمردين.

وبحلول عام 2001، اختفى ما يقدر بنحو 90 في المائة من الأهوار (برنامج الأمم المتحدة للبيئة)، مما أدى إلى فقدان التنوع البيولوجي والنزوح واسع النطاق.

وإذا عدتم بذاكرتكم إلى الحرب الإيرانية-العراقية في الثمانينات، فقد تم قطع أشجار النخيل الشهيرة لأغراض عسكرية في أماكن مثل مدينة الفاو في جنوب البصرة.

ويقول عادل العطار، مستشار اللجنة الدولية للمياه والسكن، من البصرة: "كان هناك أكثر من 30 مليون نخلة قبل الحرب
العراقية-الإيرانية، واليوم يوجد أقل من نصف هذا العدد".

"إلى جانب النزاع والإهمال وملوحة التربة، هناك عدة أسباب وراء فقدان هذه الأشجار. وهو أمر مقلق للغاية. فقد تغير الجو كلّه منذ أن فقدنا أشجار النخيل.

"لا تتعلق هذه الأشجار بالفاكهة فحسب، بل توفر الظل لبعض المحاصيل. ويُستخدم سعف النخيل في صناعة الأثاث مثل الكراسي والأسرّة. ويعني غياب النخيل غياب الأعمال التجارية. ولهذا السبب، غادر الناس الأراضي وانتقلوا إلى المدن بحثاً عن وظائف".

ويعد فقدان أشجار النخيل وجفاف الأهوار تذكيراً واضحاً بالضرر المباشر الذي ألحقته الحرب بالبيئة في جنوب العراق.

والآثار الأقل وضوحاً، والتي يُحتج بأنها الأكثر ضرراً، هي الآثار غير المباشرة للحرب - سواء في العراق أو في أي مكان آخر.

وعلى سبيل المثال، غالباً ما يؤدي الصراع إلى إضعاف قدرة الحكومة على إدارة الموارد الطبيعية والبيئة والبنية التحتية.

ومن شأن مخلفات الحرب، مثل الأسلحة غير المنفجرة أو الألغام المضادة للأفراد، أن تجعل الأراضي غير صالحة للاستعمال وتضر بالحياة البرية. وتفرض المخيمات التي تأوي النازحين الذين شردهم النزاع ضغوطاً إضافية على البيئة المحيطة.

دخول تغير المناخ في مزيج المشاكل

ارتفع متوسط ​​درجات الحرارة في العراق بنحو 0.7 درجة مئوية على الأقل خلال القرن الماضي، بينما أصبحت درجات الحرارة الشديدة أكثر تواتراً. ويسير هطول الأمطار في اتجاه نزولي طفيف في جنوب شرق البلد.

ومن المتوقع أن يرتفع متوسط ​​درجة الحرارة السنوية بمقدار درجتين مئويتين بحلول عام 2050، بينما من المتوقع أن ينخفض ​​متوسط ​​هطول الأمطار السنوي بنسبة 9 في المائة (مجموعة البنك الدولي).

ويقول السيد العطار: "عشت في البصرة طوال حياتي. وعندما كنت صغيراً، لم تكن درجة حرارة في الصيف تتجاوز 40 درجة مئوية بكثير. واليوم، يمكن أن تتجاوز درجة الحرارة 50 درجة مئوية".

وازدادت أيضاً وتيرة العواصف الرملية أو الترابية بشكل كبير، ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى تدهور التربة.

وبين عامي 1951-1990، كان هناك في المتوسط 24 يوماً في السنة من العواصف الترابية في العراق، مقارنة بـ 122 يوماً في عام 2013 (الأمم المتحدة). ومرة أخرى، تشير التوقعات إلى أن الزيادة محتملة.

ويوضّح السيد العطار: "عندما لا يكون هناك ما يكفي من الأمطار أو الغطاء الخضري، تصبح الطبقات العليا من الأرض أقل تماسكاً، مما يعني أنه تتعاظم فرص حدوث العواصف الترابية أو الرملية".

"تساهم أحداث الطقس هذه في التصحر. وتتحول التربة الخصبة إلى صحراء".

ووفقاً لما أفادت به السلطات المحلية، فإن المناطق التي كانت تتسم بالخصوبة فيما مضى في جنوب العراق آخذة في الاختفاء. وفي مدينة الفاو، انخفضت الأراضي الصالحة للزراعة من 7.5 كيلومتر مربع إلى 3.75 كيلومتر مربع، بينما انخفضت في محافظة ذي قار من 100 كيلومتر مربع إلى 12.5 كيلومتر مربع فقط.

وأدى التصحر في الجنوب إلى انهيار القطاع الزراعي الذي كان يوفر وظائف في السابق لشريحة كبيرة من السكان.

وعندما لا يتمكن الناس من الاعتماد على الأرض في كسب عيشهم، فإنهم يهاجرون إلى المناطق الحضرية مثل البصرة أو النجف بحثاً عن وظائف.

وعلى سبيل المثال، انخفض عدد سكان مدينة الفاو الساحلية من 400000 إلى 50000 شخص في أربعة عقود لأن الناس ينتقلون إلى المدن الكبرى.

ويقول السيد العطار: "المستقبل هو الهجرة. ومن المؤلم أن ترى جيل الشباب يترك المناطق الريفية للعمل في وظائف عمل يدوية لا تتطلب مهارة في المناطق الحضرية أو في حقول النفط.

"لا توجد وظائف كافية لهم في هذه القطاعات. ومعدل البطالة مرتفع، وكذلك التوترات، وهو ما لا يبشر بالخير بالنسبة إلى التعافي والاستقرار."

نسبة ملوحة عالية جداً

ومن المشاكل الرئيسية الأخرى التي تضعف البيئة هي ملوحة التربة والمياه، ولطالما كانت هذه المشكلة واسعة الانتشار في العراق. ولكن في الجنوب، يزداد الوضع سوءاً لعدة أسباب.

ويأتي أكثر من 50 في المائة من المياه المستخدمة في العراق من تركيا وسورية وإيران. وأدت ممارسات إدارة المياه الإقليمية والوطنية إلى وصول كميات أقل من المياه إلى جنوب العراق في نهري دجلة والفرات.

وإلى جانب ذلك، تمر الأنهار عبر إحدى أكثر المناطق جفافاً في المنطقة. وعلى الرغم من أن التبخر ليس العامل الرئيسي إلّا أنه يؤدي دوراً في زيادة الملوحة.

وعندما تنخفض مستويات المياه في هذه الأنهار، تنتقل مياه البحر إلى أعلى مصب شط العرب وإلى قنوات الري المستخدمة في الزراعة وتربية الماشية.

وقال السيد مالغراتي: "إن ملوحة المياه والتربة مضرة بالمحاصيل والحيوانات والبشر."

"عندما تضيف هذه المشكلة إلى المستويات العالية من الملوثات الأخرى الموجودة، فإنها تشكل خطراً حقيقياً على الصحة العامة."

وفي 2018، تم نقل أكثر من 100 ألف شخص في محافظة البصرة إلى المستشفى بسبب أعراض تتعلق بجودة المياه الرديئة (هيومان رايتس ووتش).

دعوة إلى تقديم الدعم

قضت اللجنة الدولية أكثر من عقد من العمل في جنوب العراق من أجل مساعدة الناس على الحصول على المياه الصالحة للشرب، إلى جانب الاضطلاع بأنشطة أخرى.

ويتركز عمل اللجنة الدولية اليوم في الأجزاء الشمالية من البلد التي شهدت مستويات أعلى من النزاع في السنوات الأخيرة، ولكن تواصل اللجنة الدولية دعم الهلال الأحمر العراقي في جنوب العراق.

وفي العام الماضي، استهلّت جمعية الهلال الأحمر العراقي برنامجاً من أجل تركيب ثماني وحدات لمعالجة المياه بالتناضح العكسي تعمل بالطاقة الشمسية، مما سيساعد حوالي 20 ألف شخص في الحصول على المياه الصالحة للشرب. وتقدم اللجنة الدولية الدعم المالي والتقني.

ويوضح السيد العطار أن "هذه الوحدات تزيل الملوحة من المياه كي لا يضطر الناس إلى شراء المياه الصالحة للشرب."

"إنها عملية مكلفة والقدرات محدودة، ولكن هناك نقص في إمدادات المياه، لذا فهي عملية ضرورية."

إن مساعدة المجتمعات في جميع أنحاء العالم على التكيف مع تغير المناخ أمر بالغ الأهمية. ومع ذلك، فإن الجزء الأكبر من تمويل المناخ يدعم حالياً الجهود المبذولة للحد من انبعاثات الكربون.

وتقول السيدة كاثرين لون غرايسون، مستشارة اللجنة الدولية للسياسات بشأن تغير المناخ والنزاعات: "إن الحد من انبعاثات غازات الدفيئة أمر مهم للغاية، ولكن يجب استكمال هذه الجهود بمساعدة المجتمعات على التكيف مع تغير المناخ والبيئة حتى تتمكن من مواجهة المخاطر الحالية والمستقبلية."

"في الوقت الحالي، وعلى الرغم من أن هذا البلد من بين أكثر البلدان عرضة لتأثيرات تغير المناخ، فإن البلدان التي تعاني من النزاع هي من بين أكثر البلدان التي تتعرض للإهمال من قبل التمويل المقدم للمناخ، وعلى وجه الخصوص التمويل الخاص بالتكيف. وهذا أمر يحتاج إلى التغيير."