مقال

"شهادتي فقدت قيمتها": خريجو ليبيا الشباب يواجهون مستقبلاً مجهولاً

ألقى عقدٌ من النزاع بثقله على ليبيا، البلد الذي يتمتع بتراث ثقافي غني وموطن لجيل من الشباب الذين يحلمون بوظائف ناجحة وأمن اقتصادي. على الرغم من هدوء القتال مؤخراً، لم تعد الحياة إلى طبيعتها بالنسبة للخريجين الشباب أمثال أحمد وإسراء، الذين يكافحون من أجل بناء حياة في وجه النزاع وانعدام الأمن والوباء العالمي.

خطط أحمد، خريج هندسة النفط، لكل شيء. باستثناء أن يستمر النزاع في بلاده لعقد من الزمان. "لم أكن شديد التركيز على ما يجري خارج أسوار الكلية. شهادتي كانت تركيزي الوحيد "، يشرح. "يمكنك أن تتخيل مدى صعوبة الأمر بالنسبة لي عندما أكملت دراستي وأدركت أن شهادتي فقدت قيمتها أساساً. 

كان الأمر بمثابة صدمة "، كما يتذكر أحمد، جالسًا في غرفة معيشته المتواضعة، تجلس أمامه والدته التي ترمقه بنظرات ملؤها الولع الشديد والقلق المزعج في آنٍ معاً، تقول ياسمين بحزن: "لم يجد وظيفة بعد، رغم كل جهوده".

 

يتسبب الصراع في ليبيا في خسائر فادحة في حياة الناس وتعطيل الخدمات العادية مثل الرعاية الصحية وتوافر المياه النظيفة والكهرباء. تصوير: عمر عامر-اللجنة الدولية

التحق أحمد بكلية الهندسة في الخمس، وهي مدينة ساحلية تقع في منتصف الطريق بين طرابلس ومصراتة، بهدف واحد في الاعتبار: في غضون خمس سنوات، دون أي عام زيادة، سيصبح مهندساً، "تماماً مثل والدي" ، يتذكر بفخر.

وبالفعل، فقد نجح في اتباع المسار الذي سلكه الكثيرون من قبله في الدولة الغنية بالنفط: تخرج، في عام 2019، بدرجة البكالوريوس في هندسة البترول.

ولكن، في غضون ذلك، بينما كان أحمد يدرس ويضع خططاً لمستقبله، احتدم النزاع المرير في ليبيا. على مر السنين، أجبر النزاع عدداً لا يحصى من العائلات على الفرار من منازلهم، ففقدوا الدعم الاجتماعي وفرص العمل. ولا تزال العديد من العائلات مثل عائلة أحمد تصارع الاقتصاد المنهك، وعملية سياسية غارقة في الانقسامات، وزيادة الأسعار، ونقص السيولة. واستمرت الأعمال العدائية واحدة تلو الأخرى، مما أدى إلى خسائر في حياة الناس وتعطيل الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية وامدادات المياه النظيفة والكهرباء.

تشرح عائشة سليمان، المسؤولة عن برنامج كسب العيش التابع للجنة الدولية للصليب الأحمر في الخمس، "كانت صناعة البترول واحدة من العديد من القطاعات المتضررة من النزاع المستمر منذ عقود. وجد الأشخاص الذين اعتادوا العمل في مجال البترول أنفسهم بلا عمل لأن الشركات الأجنبية غادرت البلاد بسبب الصراع. علاوة على ذلك، جاء كوفيد-19 الذي قلص الاقتصاد العالمي وسوق العمل ".

يدعم برنامج اللجنة الدولية لكسب العيش الليبيين، وكثير منهم من النساء، الذين يرغبون في بدء أعمال تجارية صغيرة لإعالة أسرهم وأولادهم الذين يكافحون من أجل العثور على عمل.

قطاع آخر تضرر بشدة من النزاع المستمر هو القطاع العام. وفقاً لتقرير البنك الدولي المنشور في عام 2015، كان هذا القطاع تقليدياً إلى حد بعيد أكبر موفر لفرص العمل في ليبيا، حيث يوظف 85٪ من إجمالي القوى العاملة النشطة، و 93٪ من النساء العاملات.

تضيف عائشة سليمان "يجد الشباب أنفسهم اليوم مضطرين للبحث عن عمل في القطاع الخاص، الذي لا يمكنه استيعاب كل هؤلاء الذين كانوا يعملون في القطاع العام"

تتوق إسراء، 34 عامًا، خريجة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، للعمل في الإدارة منذ حصولها على الدبلوم في عام 2012. وكذلك أختها فاطمة، التي كانت أيضًا زميلتها في الفصل.

علاوة على ذلك، فإن شقيقيهما عاطلان أيضاً عن العمل، معتمدان على ما يمكن تحصيله من عملٍ يومي. لكن إسراء توضح أن "المشكلة هي أننا لا نعرف أبداً متى سيأتي العمل". وهذا يترك الأشقاء الأربعة يعتمدون على الدعم الاجتماعي الذي تتلقاه والدتهم الأرملة كل شهر.

بطبيعة الحال، فإن فرص العمل أشدّ ندرةً بالنسبة لجميع النازحين بسبب النزاع، والآن يتعين عليهم دفع الإيجار بالإضافة إلى جميع نفقاتهم الأخرى. حوالي 245000 شخص ما زالوا غير قادرين على العودة إلى ديارهم ولا يزالون نازحين داخل ليبيا.

يفكّر أحمد في العامين الماضيين، جالساً على فراشه، يتأمل والدته بهدوء وتصميم راسخين. يتذكر أنه في السنة الأولى بعد تخرجه، التحق بدورة إضافية، حيث كان لا يزال متمسكاً بشعور من الأمل، فقده بحلول العام التالي. اليوم، يقول إنه وجد الأمل مرة أخرى، دون أن يوضح السبب. قال إنه يريد التسجيل للحصول على درجة الماجستير. "لا أريد أن أضيّع المزيد من الوقت."

*تم تغيير الأسماء