مقال

مساعدة ذوي الإعاقة البدنية في أفغانستان: عمل متواصل مدى الحياة

كابول، تشرين الثاني/نوفمبر 2020 - في صبيحة يوم معتدل البرودة وسماؤه زرقاء من شهر تشرين الثاني/نوفمبر، كان مركز علي آباد لتقويم العظام في كابول - وهو مُجمّع مترامي الأطراف يلبي احتياجات بعض الأشخاص الأكثر معاناةً في المجتمع الأفغاني - يعمل بمثابة خلية نحل.

ففي أجنحة النساء والرجال التي تعج بالمرضى، يتلقى مبتورو أطرافٍ - وكثير منهم من ضحايا الألغام الأرضية - العلاج الطبيعي أو تُقيم حالاتهم للوقوف على مدى احتياجهم لتركيب أطراف اصطناعية جديدة.

دأب الكثير منهم على المجيء إلى المركز لسنواتٍ عديدة - مثل بيبي رحيمة البالغة من العمر 20 عامًا، والتي فقدت ساقيها عندما سقط صاروخ على منزلها قبل تسع سنوات، ما أدى إلى مقتل عمتها وإصابة آخرين من أفراد أسرتها بجروح بالغة. وجرى تركيب زوج ثالث من الأطراف الاصطناعية لها وستحتاج إلى رعاية مدى الحياة، لكنها مصممة على إتمام دراستها التي تعطلت لكي تصبح طبيبة يومًا ما.

يخوض آخرون تجربة تركيب أطراف اصطناعية للمرة الأولى ومحاولة السير على أقدامهم رغم الألم. محمد عجان واحدٌ من هؤلاء المصابين، وهو جندي في الجيش الوطني الأفغاني يبلغ من العمر 28 عامًا، فقد ساقيه وإحدى عينيه عندما مرت سيارته فوق لغم أرضي قبل ثمانية أشهر. يحذوه الأمل في أن يستطيع السير على قدميه من جديد قريباً وأن يعود للخدمة بالجيش لأنه يعلم أنه من غير المرجح أن يجد أي فرصة عمل أخرى.

يعاني معظم المرضى الصغار في جناح الأطفال من شلل دماغي، وبعضهم يجرى فحصه للمرة الأولى بعدما قطعوا مسافات طويلة مع أفراد أسرهم القلقين، فيما يصطف بالخارج العشرات غيرهم.

وفي أماكن أخرى، في ورش العمل المختلفة بالمركز، ينشغل الفنيون بإنتاج كل شيء من الأطراف الاصطناعية والجبائر إلى العكازات وأجزاء الكراسي المتحركة.

وعلى مقربة منها تقع مدرسة معتمدة دوليًا، حيث يتلقى ذوو الإعاقة دورة تدريبية للحصول على دبلوم يؤهلهم للعمل فنيين في مجال الأطراف الاصطناعية وتقويم العظام. والأبرز- قاعة رياضية يتدرب بها نحو 300 لاعب ويمارسون لعبة كرة سلة على الكراسي المتحركة، ومن بينهم المنتخب الوطني.

بدوره، قال السيد "ألبرتو كايرو"، صاحب الشخصية الجذابة، ومدير برنامج اللجنة الدولية لتَقْوِيْمِ العِظَام، إن مستوى العمل حاليًا لا يزال أقل كثيرًا من المعتاد. ويقول: "بسبب جائحة كوفيد-19 اضطررنا في البداية إلى تعليق 80 في المائة من خدماتنا المعتادة ولم نتمكن من استقبال أي مرضى جدد".

وأضاف: "لدينا معدات الحماية الشخصية الضرورية ونطبق التباعد الجسدي قدر الإمكان، لذلك تسير الأمور ببطء مجددًا، ولكن ليس كما كان من قبل. لا يزال 25 في المائة على الأقل من خدماتنا معلقة، وبشكل رئيسي للمرضى المقيمين في المستشفى وبرنامج الإحالة. إنه لأمر محزن للغاية".

لا يزال 25 في المائة على الأقل من خدماتنا معلقة، وبشكل رئيسي للمرضى المقيمين في المستشفى وبرنامج الإحالة. إنه لأمر محزن للغاية.

السيد "ألبرتو كايرو"، مدير برنامج اللجنة الدولية لتَقْوِيْمِ العِظَام

وأضاف: "الأمر مختلف عما إذا كان لدينا مصنعًا لإنتاج ألعاب الأطفال أو السلع الاستهلاكية التي يمكن أن تُغلق في أي وقت. بل يعتمد الناس علينا تمامًا. ولا تتوفر الكثير من خدماتنا في أي مكان آخر. ومن الأهمية بمكان أن نواصل عملنا مهما حدث".

وقال "ألبرتو" إن وتيرة الطلب على خدمات معينة ازداد للغاية لدرجة أن هناك  قائمة انتظار تضم الآن نحو 900 طفل مصاب بالشلل الدماغي، في ظل تأخر العمل لمدة 6 أشهر على الأقل - ويرجع ذلك بشكل جزئي على الأقل لجائحة كوفيد-19. وتابع: "جائحة كوفيد-19 هي مجرد تهديد آخر يُضاف إلى تهديدات أخرى كثيرة". وأضاف: "يحتاج الناس للعمل لكي يجدوا ما يسد رمقهم ويعينهم على معيشتهم. وسيكون الإغلاق من ضروب المستحيل. إذ ليس أمام الناس خيارٌ سوى المجازفة للكفاح من أجل البقاء يومًا بيوم".

لقد توسع مشروع تقويم العظام منذ بدايته في عام 1988 في كابول بشكل كبير منذ ذلك الحين - والآن يضم سبعة مراكز لإعادة التأهيل في جميع أنحاء البلاد. وقد سُجل نحو 190,000 مريض من ذوي الإعاقات البدنية منذ ذلك الحين، يتلقى ما لا يقل عن 150,000 منهم سنويًا العلاج في أحد المراكز.

يعد ربع هؤلاء المصابين تقريبًا من مبتوري الأطراف - معظمهم من ضحايا الألغام والمتفجرات من مخلفات الحرب - في حين تتضمن إصابات الباقين إصابات بشلل الأطفال وإصابات العمود الفقري والتشوهات الخلقية والشلل الدماغي وضحايا الحوادث، من بين مصابين آخرين. ويحتاج بعضهم إلى العلاج لسنوات عديدة، وكثيرًا ما يستمر لبقيّة حياتِهم. 

أمضى "ألبرتو" حياته، منذ وصوله إلى كابول من موطنه إيطاليا في عام 1990، في إنشاء برنامج اللجنة الدولية لإعادة التأهيل البدني ليصبح كما هو عليه اليوم. ومن بين الأشياء العديدة الرائعة في مراكز تقويم العظام - وفي نظر ألبرتو أحد أعظم إنجازاته - حقيقة أن جميع الموظفين البالغ عددهم 815 تقريبًا هم من ذوي الإعاقة.

وقال "ألبرتو": "لقد طبقنا سياسة التمييز الإيجابي هذه منذ البداية، إذ لم نوظف للعمل في المراكز سوى معاقين بدنيًا". وأضاف: "يصب ذلك في مصلحة الجميع. إذ يتفهم الموظفون احتياجات المرضى والتحديات التي تواجههم فهمًا مباشرًا، ويبعث ذلك على الأمل والتحفيز في نفوس المرضى". وتابع: "كان عمل شاقًا في البداية في إقناع الناس أنّ هذا التصور سينجح – حتى في اللجنة الدولية – لكن كنت عاقدًا العزم تمامًا. وينصب تركيزنا اليوم بشكل أكبر على الإدماج ولا أعتقد أن أي شخص سيشكك في المنطق من وراء ما نفعله هنا الآن".

يتفهم الموظفون احتياجات المرضى والتحديات التي تواجههم فهمًا مباشرًا، ويبعث ذلك على الأمل والتحفيز في نفوس المرضى.

عندما لم يكن هناك مزيد من الوظائف المتاحة، بدأ "ألبرتو" تدريبًا مهنيًا وبرامج لمنح القروض متناهية الصغر- في البداية للمصابين بشلل نصفي وفي نهاية المطاف، لجميع المرضى من ذوي الإعاقة. وطوال سنوات، مُنح ما يقرب من 11,000 قرض صغير لمشاريع مثل الخياطة أو النجارة أو اللحام أو تجارة بسيطة في أخشاب الوقود، أو الفاكهة والخضروات.

وقال "ألبرتو": "يعطي هذا المخطط حقًا بصيص أمل وفرص للأشخاص الذين لولا ذلك لن يتاح لهم إلا القليل من الفرص، إن وجدت". وأضاف: "لسوء الطالع، باتت هذه المساعدات ضحية جديدة لجائحة كوفيد-19، حيث كان علينا تقليصها بشكل كبير في الوقت الراهن على الأقل."

وبالنسبة لـ "ألبرتو"، كان أحد أكثر التطورات المثيرة في البرنامج بلا شك، تعزيز الرياضة في السنوات الأخيرة، ولاسيما كرة السلة على الكراسي المتحركة. وقال: "حتى أنني كنت أعتقد أن الرياضة لذوي الإعاقة هي من قبيل الترف أكثر من كونها ضرورة، لكن هناك العديد من الجوانب الإيجابية لها. إعادة التأهيل البدني والإدماج ومجرد متعة بسيطة. من المتعة رؤية هذا".

ووفقًا لـ "ألبرتو" فإن ما ساعد على هذه التصورات كثيرًا أن أفغانستان لديها فرق وطنية لكرة السلة على الكراسي المتحركة تتنافس بنجاح في الخارج - مع معاملة اللاعبين، ولو لفترة قصيرة، باعتبارهم مشاهير. وقال: "لقد ساعد الناس على إدراك أن الإعاقة لا تحول دون ممارسة الحياة الطبيعية - أو أقرب ما يمكن إلى الحياة الطبيعية قدر المستطاع".

هل يخطط "ألبرتو"، ذو الـ 68 ربيعًا، وهو مواطن أفغاني فخري، للتقاعد في المستقبل القريب؟ ابتسم قائلًا: "أنا بحاجة لأن أظل مفيدًا لكي أشعر بالسعادة". وأضاف: "لذلك حتى وإن تقاعدت، سأبقى هنا وسأظل معنيًا بأنشطة الإعاقة والرياضة بطريقة أو بأخرى. لكن لدي الوظيفة التي أحلم بها، ولست مستعدًا للتوقف تمامًا بعد. لا يزال هناك الكثير لأفعله".