مقال

المفقودون في العراق: عيون لا تنام وقلوب لا تهدأ

ملف المفقودين في العراق يغصّ مئات الآلاف في جميع أنحاء البلاد منذ 1980 نتيجة للنزاعات المختلفة. وبغض النظر عن هوية المفقودين أو كيفية أو زمن حدوث الفقد، فإن ألم الفقد واحد ومشترك ويدفع العائلات دفعًا للحصول على معلومات حول مصير المفقود ومكان تواجده ناهيك عن تشتت أفراد العائلة والتأثيرات السلبية من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية والشعور المستمر بالخسارة والغموض.

عبء الانتظار حمل ثقيل تتحمله زوجات وأمهات وآباء وأبناء المفقودين كل يوم آملين في معلومة عنهم لتقرّ أعينهم. ووقت الانتظار يتضاعف نظرًا لتوقف الحياة في غياب من نحب. 

في غياب من نحب أعيننا لا تنام وقلوبنا لا تهدأ. ومن أين تأتي الراحة إن لم نعرف مصير من تحب لسنوات. ألبومات صور العائلة لم تعد مصدرًا للبهجة بل وسيلة للتشبث بأي ذكرى أو خيط للوصول للمفقودين.

ألم يخلق أمل 

قد تخطئ الظن بأن طول سنوات الانتظار سيفقد عائلات المفقودين حماسهم أو أملهم في إيجاد أحباءهم. ولكن من خلال عملنا نراهم كل يوم في مكاتبنا يلقوننا دروسا في الحب والإخلاص والأمل والمثابرة. نراهم وقد أنهكت جهود البحث ومشاعر الحزن والشوق أجسادهم.يأتون ليحكوا لنا عن جهود بحثهم واستعدادهم لبذل المزيد، حيث قال لنا مرة أحد الآباء:

لن أترك أبدًا مواصلة البحث حتى لو علمت أن بناتي خلف جبل فسأحرك الجبل بيدي.

بأعينها تلتهم العائلات أي قائمة للمفقودين أو صور لتبادل الأسرى على التلفاز أو منشورات صفحات التواصل الاجتماعي بحثا عن وجه غاب وطال انتظاره.

الصورة أدناه من أرشيف الصليب الأحمر لعام 2003 لأشخاص يقرأون قوائم المختفين والمسجلين مع الصليب الأحمر آملين في رؤية أسامي مفقوديهم

 عملُنا كل يوم في الميدان حول العالم جعلنا ندرك معنى الفقد ومن أبلغ ما سمعناه عن ألم الفقد ما قالته زوجة مفقود: "الناس تموت مرة واحدة. ولكنني أموت كل يوم."

طرق الباب يُحيي أملًا في أن يكون الطارق هو المفقود ويقتله حين يكون الطارق شخص آخر.

كل ليلة أبكي وحيدًا لأني لا أريد أن أبكي أمام عائلتي.

 

الألم الجسدي للمفتقِدين

بتزايد سنوات الانتظار يزداد القلق والضغط النفسي الذي يصبح من الصعب تفاديه. والقلق لا يفرّق بين صغير أو كبير. الفقد يأتي بحمل ثقيل من الحزن الشديد والشعور بالغضب والذنب ومشاكل النوم والإجهاد العام وفقد الطاقة. هذه كلها أعراض تجدها ظاهرة جلية في أجساد المفتقدين.

 

اليوم العالمي للمفقودين 

إن فقدان الأشخاص نتيجة حتمية للكثير من النزاعات وعمليات الهجرة والكوراث. وألم الفقد وعدم الاطلاع على مصير المفقودين لا يقل عن ألم وفاتهم. 

لدينا في اللجنة الدولية للصليب الأحمر سجلات خاصة بالأشخاص المفقودين في أكثر من 70 دولة. ولكن هذه السجلات لا تمثل فقط أرقام ولكنها قصص وحياة عائلات تعاني الغموض واليأس لمعرفة ما حدث.

لكل عائلة حق معرفة مصير أحبائها، وهو حق منصوص عليه في القانون الدولي الإنساني، ونحن نعمل جاهدين بالتعاون مع الجمعيات الوطنية للصليب والهلال الأحمر للتخفيف من معاناة الناس ووضع حد للصمت والغموض الناتجين بعد كل حادث اختفاء.

 لذا نستغل اليوم العالمي المفقودين والموافق ب 30 أغسطس/آب لتسليط الضوء على هذا الملف ونخفف من معاناة أهالي المفقودين النفسية والمادية والقانونية.

عملنا مستمر في العراق منذ 1980 على ملفات عدة ومنها ملف المفقودين وإعادة الروابط العائلية على مدار العام.

لا تزال العائلات متمسكة بأمل اللقاء...

وفي مرة قالت لنا أخت مفقود:

لن أيأس من البحث حتى تلتقى أرواحنا إن لم تتلاقى أجسادنا قريبًا.

وسط هذا الأمل يحتم علينا واجبنا الإنساني متابعة البحث ومساندة عائلات المفقودين خلال هذه الرحلة المؤلمة دائمًا والطويلة في أغلب الأحيان.