مقال

اتفاقيات جنيف: رهان الإنسانية في وجه فظائع النزاعات المسلحة

بلغ عُمر اتفاقيات جنيف 70 عامًا. وفي هذه الذكرى، لابد لنا اليوم من تسليط الضوء على النجاح الذي أُحرِز على مدى هذه العقود بفضل هذه النصوص الأساسية.

تقف هذه الاتفاقيات الأربع وسط عدد قليل جدًا من المعاهدات الدولية التي تحظى بتصديق عالمي لأسباب ليس أقلها أنها تعكس – أكثر من كونها مجرد قانون – هي القيم العالمية للسلوك الأخلاقي في وقت الحرب. وهي تشمل مجموعة من القواعد التي تسعى، لأسباب إنسانية، إلى الحد من آثار النزاعات المسلحة، وحماية الأشخاص غير المشاركين في الأعمال العدائية أو توقفوا عن المشاركة فيها، وتقيَّد وسائل وأساليب الحرب. وفضلًا عن ذلك، دعمت الاتفاقيات منذ عام 1949 عمل المنظمات الإنسانية ومن بينها اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وحافظت في كثير من الأحيان على الإنسانية وسط فظائع في عدة بلاد مزقتها الحرب.

في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لمَسَ المجتمع الدولي الضرورة الملحة لاعتماد قواعد جديدة تعمل على توسيع الطابع الوقائي للقانون الدولي الإنساني ليشمل المدنيين. وبدأت مهمة إعادة إعمال المعاهدات القائمة، وهي المهمة التي تقدَّمتها الحركة الدولية للصليب الأحمر في ثلاثينيات القرن الماضي، وتُوِّجت في 12 آب/أغسطس 1949: حين اجتمع عدد كبير من الدول في جنيف لاعتماد 429 مادة، كتبها في أغلب الأحيان محامو اللجنة الدولية. وإلى يومنا هذا، تمثل اتفاقيات جنيف أحد أكبر إنجازات التعاون بين الدول.

ومن خلال اعتماد اتفاقيات جنيف في عام 1949، وحتى قبل حروب التخلص من الاستعمار وانتشار الحروب الأهلية، كانت الدول قد نصَّت على بقاء مجموعة من القواعد الدنيا سارية على هذه النزاعات أيضًا. غير أنه كان من الضروري تنقيح وتعزيز قواعد حماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية وسير الأعمال العدائية. وتم ذلك باعتماد البروتوكولين الإضافيين لعام 1977.

"يُرسي القانون الدولي الإنساني إجمالًا قواعد واقعية، ويحقق التوازن الصحيح بين الضرورة العسكرية والاعتبارات الإنسانية."

الأمر موكَل لجميع الدول للعمل على "احترام وكفالة احترام" نصوص ومعاهدات القانون الدولي الإنساني "في جميع الأحوال". وينبغي أن تُلهِم القوة متعددة الأطراف التي كانت فعالة في عام 1949 القادة الحاليين في اتجاه القيام بتحرك مماثل في المستقبل. الفلبين، على سبيل المثال، صادقت على اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية، وأصدرت أيضًا ثلاثة تشريعات وطنية تتعلق بالقانون الدولي الإنساني وهي: القانون الجمهوري رقم 9851 أو قانون الفلبين المتعلق بالجرائم المخالفة للقانون الدولي الإنساني، والإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية؛ والقانون الجمهوري رقم 10530 أو قانون الشارة؛ ومؤخرًا القانون الجمهوري رقم 11188 أو قانون الحماية الخاصة للأطفال في حالات النزاع المسلح.

يرسي القانون الدولي الإنساني إجمالًا قواعد واقعية، ويحقق التوازن الصحيح بين الضرورة العسكرية والاعتبارات الإنسانية. فإذا واصل المتحاربون عملياتهم، يجب عليهم تجنب الخسائر المدنية بقدر المستطاع؛ لذا، يُمنع منعًا باتًا تعمُّد استهداف المدنيين. ويضع القانون خطوطًا حمراء محددة، وهي: قتل محارب استسلم، أو قصف مستشفى، أو تعذيب الجرحى أو المرضى أو حرمانهم من الرعاية، فهذه انتهاكات غير مقبولة في القانون.

في وقت يتزايد فيه الاستقطاب، تزداد أهمية هذه المجموعة من القوانين أكثر من أي وقت مضى، لأنه بعد انقضاء الحرب سيكون على الجميع الحياة معًا مجددًا، وحتمًا ستكون الضغينة أقل إذا كانوا قد أظهروا احترامًا تجاه بعضهم البعض أثناء فترة العداء. إننا نراهن على الإنسانية في وجه فظائع الحرب.

يعبِّر البعض عن رأي مناهض للاتفاقيات، ويستنكرون الفجوة بين الوعود النبيلة التي تحملها وما يحدث على أرض الواقع. في سورية وليبيا وأوكرانيا، وجمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان ... من المحال إحصاء الانتهاكات وتقدير حجم المعاناة. ولكن، هل ينبغي أن نتجاهل قوانين السير في الطرق السريعة لأنه توجد الكثير من الوفيات والإصابات على الطريق؟

ويذهب البعض الآخر إلى حد القول بأنه لم يعد ينبغي تطبيق القانون الدولي الإنساني لأنه من المستحيل تجنب الانتهاكات. ونجيب عليهم بكل وضوح: عندما يوقف أحد القادة عملية عسكرية لأن الخسائر المدنية العرضية هائلة، فهذا نجاح للقانون الدولي الإنساني. وعندما يستطيع مندوبو اللجنة الدولية إنقاذ سجناء يتضورون جوعًا، أو عندما يواصل مستشفى عمله على خطوط المواجهة، فهي قصص نجاح للقانون الدولي الإنساني. ولكن كل هذه الانتصارات لا تظهر بالضرورة في الصفحات الأولى للصحف. لكنها موجودة وتشد من عزمنا على العمل من أجل عالم أكثر إنسانية. أمامنا تحديات عظيمة: التشظي المتزايد للجماعات المسلحة، ووصول الأسلحة ذاتية التشغيل والذكاء الاصطناعي إلى ساحات المعارك، وهذان ليسا سوى عنصرين اثنين من معادلة تحمل الكثير من المجهول. يوجد شيء واحد مؤكد وهو: رغم أن النزاعات قد تتطور؛ إلا أن المبادئ الأساسية باقية.

إن ولاية اللجنة الدولية للحماية وتخفيف المعاناة في أوقات الحرب مترسخة في اتفاقيات جنيف لعام 1949، وتنفيذ هذه النصوص على المستوى الوطني هو محور عملها بوصفها راعية القانون الدولي الإنساني.