مقال

العراق: تدريب الفنيين يحافظ على تدفق المياه في المناطق الريفية

يصعب وصول المياه النظيفة إلى الريف العراقي. ويساهم كل من الجفاف وانخفاض منسوب المياه في نهري دجلة والفرات، وجداول المياه المنخفضة، والإفراط في استخدام المياه وسوء صيانة الشبكات في نقص كميات المياه. ومما يزيد الأمور سوءًا أن الفنيين العاملين في مجال المياه غالبا ما يفتقرون إلى المهارات اللازمة، مما يؤدي إلى قصور في إمدادات المياه. ردًا على ذلك، قامت اللجنة الدولية بتدريب 285 فنيًا من العاملين في مجال المياه في جنوب العراق منذ عام 2011.

أبو عيسى قرية صغيرة على ضفاف نهر الفرات، تبعد 15 كيلومترًا عن مدينة النجف جنوب العراق. ويعمل سكانها الذين يبلغ عددهم 2000 نسمة في زراعة العنب والفاكهة، ولكن أعدادًا متزايدة منهم هجرت الزراعة.

كانت القرية التي ولد فيها محمد محسن جبر تعاني من انقطاع متكرر في المياه، لا سيما في فصل الصيف. محمد الآن في منتصف العمر، وكان يضطر حتى وقت قريب إلى حمل المياه ونقلها من النهر ثلاث أو أربع مرات في اليوم. يقول محمد: "كانت جميع أنشطتنا اليومية صعبة؛ من الاستحمام وغسل الملابس إلى تنظيف المنزل، كل شيء كان صعبًا!"

يتذكر حسين وهو صبي في سن المراهقة، أيضًا حمله الماء من النهر ويشرح ذلك بقوله: "كنا نستخدم ماء النهر فقط لغسل الأطباق والملابس. لم نشربه أو نطهو به قط". لا تثق عائلات قرية أبو عيسى في مياه الصنبور ومن ثم لا يستخدمونها للشرب. فهم يشترون الماء المصفى والمنقى من المحلات التجارية، حيث يتعين عليهم دفع 500 دينار (50 سنتًا أمريكيا) لشراء 20 لترًا.

تحصل قرية أبو عيسى على المياه اللازمة لها من نهر الفرات، ولكن القصور في شبكات المياه كان يؤدي إلى انقطاع متكرر. يدير حسن عبد الأمير وحدة لمعالجة المياه في أبو عيسى تضخ المياه من النهر وتعالجها قبل توزيعها على شبكة القرية. يشرح الأمور بقوله: "كان إجراء الإصلاح والحصول على تدفق المياه مرة أخرى يستغرق أيامًا في بعض الأحيان"، ثم يضيف: "في كل مرة كانت تتوقف فيها قطعة من المعدات عن العمل، كان علينا استدعاء فريق الصيانة، الذي يأخذ المعدة معه إلى النجف لإصلاحها."

Al-Barakiya, near Abu Aissa, southern Iraq. An operator repairs a water pump at the water treatment plant supplying the village.

البراكية، بالقرب من أبو عيسي، جنوب العراق، أحد الفنيين القائمين على التشغيل يقوم بإصلاح مضخة في محطة معالجة المياه التي تمد القرية بالمياه . © ICRC / A. AlSaàte

إن النقص في عدد الموظفين التقنيين المهرة له تأثير مباشر على أداء البنية التحتية للمياه في العراق. وقد بدأت المشكلة في بداية الثمانينات أثناء الحرب مع إيران، عندما انضم معظم الموظفين المدربين في مديريات المياه إلى القوات المسلحة. وبقي البعض منهم في القوات المسلحة لمدة وصلت إلى عشر سنوات، بينما قُتل كثيرون وتقاعد آخرون في نهاية الحرب.

وبدأت السلطات في بناء مرافق مياه جديدة بعد عام 2003 من أجل تلبية الطلب، حيث وفرت 400 مرفق جديد في جنوب العراق في الفترة من 2003 وحتى 2011. بيد أن عدد الموظفين المهرة اللازمين لتشغيل تلك المرافق على نحو ملائم كان قليلاً للغاية.

وقد قامت اللجنة الدولية ببناء أو ترميم 30 وحدة لمعالجة المياه في جنوب العراق منذ عام 2009. ولكننا سرعان ما أدركنا مرة أخرى أن القصور في تدريب الفنيين المهرة اللازمين لتشغيلها كان يسبب مشاكل تقنية ومشاكل أخرى في الصيانة في بعض المواقع.

يقول عماد شيري، مهندس اللجنة الدولية المسؤول عن مشاريع المياه في جنوب العراق موضحًا: "يحتاج الموظفون الذين يقومون بتشغيل الماكينات إلى عدد من المهارات الأساسية إذا أريد لهم أن يديروا مرافق المياه بشكل صحيح، وأن يحافظوا على جودة المياه ويتجنبوا انقطاعها". ويضيف قائلاً: "ينبغي أن يكونوا قادرين على تشغيل جهاز التعيير الميكانيكي الذي يضيف جرعات من كبريتات الألومنيوم والكلور إلى المياه التي تُضَخ من مصادر المياه، وأن يتمكنوا من حل المشكلات الميكانيكية والكهربائية الأكثر شيوعًا من دون مساعدة مهندس". كان فنيو التشغيل في المناطق الريفية الجنوبية يفتقرون إلى مثل هذه المهارات، لا سيما في ما يخص التعيير وانقطاع التيار الكهربائي. وكان الفنيون يفتقرون أيضًا إلى المعرفة الأساسية بإجراءات الصيانة واحتياطات السلامة.

Al-Barakiya, near Abu Aissa, southern Iraq. An operator checks the electrical system for the water treatment plant supplying the village.

البراكية، بالقرب من أبو عيسي، جنوب العراق، أحد الفنيين القائمين على التشغيل يتفقد النظام الكهربائي لمحطة معالجة المياه التي تمد القرية بالمياه اللازمة. © ICRC / A. AlSaàte

وظلت اللجنة الدولية تعمل مع مديريات المياه في جنوب العراق منذ عام 2011 لتنفيذ برامج تدريبية للفنيين في النجف وبابل وكربلاء والبصرة والمثنى وذي قار وميسان. وقام بتنفيذ تلك الدورات كل من الكلية التقنية بالبصرة، والمعهد التقني في النجف وجامعتي كربلاء وبابل، وكانت تشمل تدريب 285 فنيًا من مشغلي وحدات معالجة المياه في المناطق الريفية والنائية على اللحام والصيانة والمهارات الكهربائية.

يتحدث السيد عبد الكاظم الياسري، وهو عميد المعهد التقني في النجف بعد الدورة التدريبية التي أجريت في أيلول/سبتمبر الماضي لمدة عشرة أيام في النجف ويقول موضحًا: "لقد أحدث التدريب الذي نظمته اللجنة الدولية فرقًا بالفعل، لأن العامل الفني يمكنه الآن إصلاح مضخة المياه المحطمة أو جهاز تعيير الكلور دون الحاجة إلى انتظار المهندس".

تعلم 15 فنيًا خلال الدورة كيفية إصلاح المضخات، وإجراء بعض الإصلاحات الكهربائية، والتأكد من صحة جرعات المواد الكيميائية. وتلقى الفنيون القائمون على تشغيل مرافق المياه أيضًا تدريبًا على الصحة وإجراءات السلامة. ووفقًا لما ذكره علي حسين درويش وهو أحد المهندسين المشرفين على مشاريع المياه في منطقة العباسية، فقد قال "منذ انتهاء الدورة التدريبية لم يعد الفنيون بحاجة إلى مشورة بالنسبة لكل مشكلة تواجههم. ويمكنهم تنظيم عملهم اليومي بشكل أفضل، مما منح الناس إمدادات مياه نظيفة جديرة بالثقة".

عودًا إلى أبو عيسى حيث أصبحت الأمور الآن أكثر سهولة بالنسبة لمحمد محسن جبر الذي يقول: "تناقصت مرات انقطاع المياه. أنا أدير الصنبور فقط فتتدفق منه المياه!".

نُشر هذا المقال لأول مرة في 9 نيسان/ أبريل 2013. بلغ عدد الفنيين الذين دربناهم في العراق في ذلك الوقت 285 فنّيًا. ومنذ ذلك الحين، تزايد عدد الفنيين الذين خضعوا للتدريب بشكل كبير، ففي 2015 وحدها بلغ عدد الفنيين الذين حصلوا على تدريب 800 فنّي.