مقال

عمليات حفظ السلام: بيان اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تشرين الأول/أكتوبر 2016

بيان اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تشرين الأول/أكتوبر 2016 الجمعية العامة للأمم المتحدة، الدورة الحادية والسبعون، اللجنة الرابعة البند 56 من جدول الأعمال. نقاش عام بشأن الاستعراض الشامل لمسألة عمليات حفظ السلام من كافة جوانبها

السيد الرئيس،
نجتمع هنا هذا الأسبوع في فترة يعاني فيها السلام العالمي من هشاشة حادة، وهي فترة يهزها العديد من النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية التي خلّفت الملايين من الضحايا في شتى أنحاء العالم. وتبقى عمليات حفظ السلام اليوم واحدة من الأدوات الحيوية التي تستخدمها الأمم المتحدة للحفاظ على السلام والأمن الدوليين حول العالم.


وتعي اللجنة الدولية للصليب الأحمر تماماً التحديات التي تواجهها عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، إذ أننا نعمل إلى جانبها في الكثير من الأماكن كجنوب السودان ومالي وجمهورية الكونغو الديمقراطية. ونحن نرى أن عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تجري في حالات أكثر عنفاً وأكثر تعقيداً من أي وقت مضى، وتتغيّر بسرعة وتطرح العديد من التحديات. ونرى كذلك أن الطابع متعدد الأبعاد للعمليات لا ينفك يتنامى، إذ يُطلب من قوات حفظ السلام أن تقوم بوساطات بين أطراف المواجهة وتقدم خدمات أساسية وتعزّز سيادة القانون وتتولى إدارة المحتجزين وتكفل حماية المخيمات المدنية، إن لم نذكر إلا بعضاً من مهامها.


ومن الضروري أن ننظر كيف يمكن لعمليات حفظ السلام أن تواجه هذه التحديات وأن تكثّف جهودها إلى أقصى حد في البيئة الحالية المعقّدة والمتعددة الأطراف. وتعتبر اللجنة الدولية أنه ينبغي في إطار هذا النقاش النظر في مسألتين عامتين.
أولاً، حين تكلّف بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة باتخاذ جميع الخطوات اللازمة لحماية المدنيين في منطقة عملها، فمن الضروري أن تكفل الامتثال لجميع القوانين المحلية والدولية ذات الصلة، بما فيها القانون الدولي الإنساني، حيث ينطبق. بالإضافة إلى ذلك، تزداد عمليات حفظ السلام تعقيداً، وقد توسّع نطاق العمليات متعددة الأبعاد. ولتلبية هذه الاحتياجات المتغيرة والمتنامية، ينبغي أن تواكب القدرات والتمويل وتيرتها وأن تتطوّر وفقها.


وتود اللجنة الدولية بالتالي أن تسترعي الانتباه إلى مسألة الاحتجاز، وهي مسألة مهمة لكنها في بعض الأحيان لا تلقَ اهتماماً أو تمويلاً كافيين، وقد لا تكون القدرات المخصصة لها من حيث التدبير اللوجستي والبنية التحتية والموارد البشرية المدرّبة ملائمة للواقع الميداني. وقد تُضطر بعثات الأمم المتحدة في عملياتها إلى اللجوء إلى احتجاز أشخاص وعليها أن تكفل التخطيط لهذا الاحتمال بشكل مسبق. وقد يكون هؤلاء الأشخاص ارتكبوا أفعالاً إجرامية تحت طائلة القانون العام أو حرموا من حريتهم عن طريق الاحتجاز أو الاستسلام لأسباب تتعلق بنزاع مسلح ما زال دائراً، بما في ذلك تمهيداً لإحالتهم إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وتقرّ اللجنة الدولية بأن هذا الواقع يطرح تحديات عملية وقانونية جمة ذات طابع معقد. ونوّد أن نشدّد على أن مرافق الاحتجاز يجب أن تُدار وفقا للقانون الدولي وللمعايير الدولية ذات الصلة والمعمول به، بما فيها القانون الدولي الإنساني حيث ينطق. وينبغي أيضاً أن يتولى إدارة هذه المرافق موظفو احتجاز تلقوا التدريب والدعم اللازمين وأن تتوفر لهم الوسائل اللازمة لإدارة الاحتجاز بفعالية.

وقد رحبت اللجنة الدولية في هذا الصدد بالجهود التي بذلتها الأمم المتحدة لتحديد إطار يحقق هذه الغاية، لا سيما من خلال إجراءات التشغيل القياسية المؤقتة بشأن الاحتجاز أثناء عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام التي وُضعت في عام 2010، بالإضافة إلى إجراءات تشغيل أخرى وضعت خصيصاً لتتوافق مع سياقات محددة. وتشجّع اللجنة الدولية على تطبيق تلك الإجراءات وتنفيذها بالكامل، لا سيما ما يخص معاملة كافة المحتجزين معاملة إنسانية، وتأمين موارد ملائمة بشكل مسبق، واحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية عند النظر في نقل أفراد وقعوا تحت سيطرة بعثات الأمم المتحدة. واستناداً إلى خبرتنا وتجربتنا في مجال الاحتجاز، فإننا نتواصل بوتيرة منتظمة مع موظفي بعثات حفظ السلام في هذا الشأن ونبقى جاهزين لمساعدتهم على التأهب للحالات التي قد يُضطرون فيها إلى توقيف أشخاص واحتجازهم.


وينص القانون الدولي الإنساني على أن الدول والمنظمات الدولية كالأمم المتحدة ملزمة بأن تكفل امتثال أطراف النزاع للقانون الدولي الإنساني. وتتمتع بعثات الأمم المتحدة بفضل حوارها مع السلطات السياسية الرفيعة المستوى ومع القوات المسلحة التي تدعمها، بمكانة فريدة للوفاء بهذا الالتزام، خاصة حين يتعلق الأمر بكفالة حماية المدنيين خلال التخطيط للعمليات العسكرية وتنفيذها.


وضمان احترام القانون الدولي الإنساني مهمة محفوفة بالتحديات وتتوقف على الموارد المتاحة لمن يقع على عاتقه هذا الواجب. وعلى الأمم المتحدة أن تولي العناية الواجبة حين تقرر كيف تعزّز امتثال الأطراف المتنازعة للقانون، كربط دعمها لعمليات مشتركة بشرط الامتثال للقانون الدولي الإنساني، وتدريب حملة السلاح، والتحقيق في انتهاكات القانون الدولي الإنساني والتواصل مع السكان والسلطات المحلية. ونظّمت اللجنة الدولية في شهر أيار/مايو مائدة مستديرة متعددة الأطراف في أديس أبابا خُصّصت لواجب كفالة الامتثال للقانون الدولي الإنساني خلال العمليات متعددة الجنسيات في أفريقيا. وكان تبادل الآراء مثمراً وصريحاً وساعد في تحسين فهم التحديات المشتركة التي تبرز خلال عمليات دعم السلام، لا سيما في رصد انتهاكات القانون الدولي الإنساني التي ترتكبها قوات أخرى ومنعها ووضع حد لها.


وتتمثل المسألة العامة الأخرى في كيفية تعزيز عمليات حفظ السلام لولاياتها إلى أقصى حد بغية حماية المدنيين. وفي حين قدّم الكثيرون مساهمات وافرة في هذا الشأن، تودّ اللجنة الدولية أن تسلّط الضوء على أربع نقاط رئيسية.
أولاً، ونظراً إلى أن عناصر قوات حفظ السلام والعاملين في المجال الإنساني يتعاونون تعاوناً وثيقاً في الميدان، فإن اللجنة الدولية تحرص كل الحرص على أن يبقى الناس ينظرون إليها ويفهمونها على أنها المنظمة الإنسانية المحايدة وغير المتحيزة والمستقلة التي تمثل أساساً. وإن أي التباس أو خلط بين الولاية السياسية لعمليات حفظ السلام ومبادئ الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر من شأنه أن يهدد إمكانية وصولنا إلى من هم بحاجة لنا ويؤثر على الحماية والمساعدة اللتين تقدمهما المنظمات مثل اللجنة الدولية لضحايا النزاعات المسلحة.


ثانياً، إننا نقرّ بضرورة بقاء الموظفين العسكريين والسياسيين والإنسانيين وأولئك المعنيين بإنفاذ القانون قريبين من السكان الذين عُهدت إليهم حمايتهم. لكن الشراكة الوثيقة مع مهمة متعددة الأبعاد قد تعرض أفراداً من المجتمعات المحلية إلى الخطر في بعض السياقات. وبمقدورنا أن نخفّف وطأة بعض هذه المشاغل عبر إجراء عمليات تقييم للمخاطر في حالات محددة وتعيين موظفين مدنيين للتواصل مع المجتمعات المحلية وتطبيق مبدأ "عدم الإيذاء" بشكل منهجي.
ثالثاً، تملك المجتمعات المحلية قوة هائلة، لا سيما في حالات الضعف والطوارئ. ولا ينبغي للعاملين في المجال الإنساني أو في عمليات حفظ السلام أن يحدّوا أو يمنعوا تمكينها، إذ أن أفراد المجتمعات أدرى ببيئتهم وبالديناميات المتغيّرة فيها. ويشمل الدور المركزي الذي يؤديه حفظة السلام في تهيئة بيئة حماية إشراك المجتمعات لاستحداث مجالات يمكن فيها للجهات المحلية أن تتفاوض، وتقديم الدعم لهذا الغرض. لكن يتعين أن يتواجد عناصر من بعثة حفظ السلام في هذا المجال وأن يؤمنوا حماية مادية لمنع العنف بفعالية إن لزم الأمر.


وأخيراً، يجب حماية السكان المدنيين من أي أذى يمكن أن يلحقه بهم أولئك المكلفون بحمايتهم. ولا ريب في أن أي شكل من أشكال العنف، ومنها العنف الجنسي، يمارسه عناصر تابعون لعمليات حفظ السلام، يقوّض مهمتهم ويهددها. وحين يُرتكب الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي في سياق نزاع مسلح، فهو قد يشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي الإنساني تترتب عليه مسؤولية جنائية، ويتحتم التحقيق فيه تحقيقاً دقيقاً. وقد تشكل هذه الأفعال في جميع الأوقات انتهاكاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان. وتُبدي اللجنة الدولية في الحوار السري الذي تُجريه مع الجهات المعنية قلقها من ادعاءات العنف الجنسي ولا سيما تداعيات هذه الأفعال على الضحايا والمجتمعات.

وفي الختام، سيدي الرئيس،

تبقى اللجنة الدولية على أهبة الاستعداد لزيادة برامج التدريب المخصصة لقوات حفظ السلام، بكمها ونوعها، في مجالات القانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين، إن كان قبل الانتشار أو في ميدان العمليات، ولتعزيز حوارها في موضوع الحماية مع جميع الأطراف. ونحن حاضرون للتدخل في الخطوط الأمامية للنزاعات ومع جميع حملة السلاح لنجد سبلاً لضمان حماية ضحايا النزاعات المسلحة والامتثال للقانون الدولي الإنساني.
وإننا نتطلع إلى مواصلة العمل مع جميع موظفي عمليات حفظ السلام، والبلدان التي تُساهم فيها بقوات عسكرية أو قوات شرطة أو موظفين مدنيين، ومع أمانة الأمم المتحدة لتعزيز أواصر التعاون الناجح التي نسجناها على مر العقود.