مقال

2017 عمليات حفظ السلام: بيان اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الأمم المتحدة

بيان اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الجمعية العمومية في الأمم المتحدة، في الدورة 72، اللجنة الرابعة، البند 55 من جدول الأعمال. مناقشة عامة بشأن المراجعة الشاملة لمسألة عمليات.

 يتزايد تحوّل النزاعات المسلحة المعاصرة إلى نزاعات مستعصية ذات أثر مدمر، لا سيما على المدنيين. وقد اتسع نطاق تأثير ولايات الأمم المتحدة، مع تزايد انخراط بعثاتها في مهام إعادة الاستقرار، وعملها في بعض الأحيان إلى جانب قوات من غير الأمم المتحدة لوأد التهديدات التي تصدر عن مجموعات مسلحة من غير الدول. وفي ظل ولاية الحماية المتنامية لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فإن لديها مهمة واضحة تتمثل في اتخاذ إجراءات لحماية المدنيين. وتغطي مهامُها الإجلاء الطبي للجرحى، وضمان تمتع مخيمات المدنيين بالحماية، ومساعدة الشرطة الوطنية والأجهزة الإصلاحية والنظام القضائي. وهذا غيض من فيض أنشطتها المتعددة الأبعاد. بل قد تتخطى ذلك إلى اتخاذ إجراءات رادعة. غير أن موارد هذه القوات وقدراتها المسخَّرة لأداء تلك المهام تقع تحت وطأة ضغط شديد. وليس بوسع فرق اللجنة الدولية للصليب الأحمر النشطة في مناطق العمليات نفسها، بوصفها فرق حفظ سلام، إلّا أن تشهد بالتحديات المتعددة الأوجه التي تواجهها.

وفي لحظة حاسمة بالنسبة لهيكل عميات الأمم المتحدة لحفظ الأمن والسلام، الموجَّه نحو حفظ السلام بفعالية أكبر، تودّ اللجنة الدولية مشاركتكم رسائل ثلاث.

 1-  أولًا: احترامُ وكفالةُ احترام الإطار القانوني المنطبق هما أمران جوهريان. إن السياقات المركّبة التي تعمل فيها قوات الأمم المتحدة تزيد من احتمالية مطالبتها  باستخدام القوة. لذلك، من الضروري أن تمتثل قوات الأمم المتحدة لجميع القواعد الدولية ذات الصلة بهذه المسألة، بما فيها القانون الدولي الإنساني حيثما انطبق.

 ومطلوب من الدول والمنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة، أيضًا أن تكفل امتثال أطراف النزاع للقانون الإنساني. وبموجب هذا الالتزام يجب عليهم اتخاذ خطوات ترمي إلى إعادة أطراف النزاع إلى توجّه يفضي إلى احترام القانون الإنساني، لا سيما عن طريق استغلال تأثيرهم على تلك الأطراف.

 وفي وقت يشهد شراكة متزايدة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، فإننا ندعو المنظمات الإقليمية وشبه الإقليمية إلى تعزيز احترام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، حيثما ينطبقان.

 ويجب مع ذلك أن تتوافر لولايات الحماية، التي تُبرز الالتزام بكفالة احترام القانون الإنساني، الموارد الكافية. ويجب أن تتماشى القدرات والتدريب والتمويل مع المسؤوليات، حتى تُنجز بعثات الأمم المتحدة المهام المنتظرة منها على أكمل وجه.

 2-  ثانيًا: الاحتجاز الذي تقوم به بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام واقعٌ قائم. تثير عمليات حفظ السلام الرادعة احتماليةَ اضطرار قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام إلى اعتقال أفراد واحتجازهم وتسليمهم إلى سلطات الدول المضيفة. وبأخذ هذا الواقع في الاعتبار، يجب أن تكون بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام مُعدّة للوفاء بالتزاماتها القانونية في ما يتعلق بالاحتجاز. ويجب أيضًا أن تتوافر لديها المَرافق اللازمة للوفاء بشروط الاحتجاز التي يتطلبها القانون الدولي. واللجنة الدولية في وضع مُواتٍ يتيح لها إدراك التحديات الميدانية والقانونية وتلك المتصلة بالسياسات، التي يفرضها الاحتجاز على بعثات الأمم المتحدة. ونحن نزور المحتجزين الذين تحتجزهم الأمم المتحدة، ونناقش توصياتنا ونبذل قصارى جهدنا للوصول إلى حلول ملموسة معًا. ومع ذلك، تظل أنشطة البعثات المتصلة بالاحتجاز غير مدعومة بتمويلٍ كافٍ، مع محدودية  الدعم اللوجيستي والبنية التحتية والموارد البشرية المدربة. وترحب اللجنة الدولية بالجهود المستمرة للأمم المتحدة الرامية إلى مراجعة "إجراءات التشغيل القياسية المؤقتة بشأن الاحتجاز لبعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام"، المعتمدة في عام 2010، وإجراءات التشغيل القياسية الأخرى المقرَّرة لسياقات معينة. ونحن نشجع تداول هذه الإجراءات وتنفيذها بشكل كامل بمجرد اعتمادها. وبالإضافة إلى ذلك، عندما تضطلع بعثات الأمم المتحدة بعمليات الاحتجاز، يجب إيلاء مبدأ عدم الإعادة القسرية اهتمامًا خاصًا، أي عدم إجبار اللاجئين أو طالبي اللجوء على العودة إلى بلد يكونون عرضة فيه للاضطهاد. وفي هذا الشأن، نأخذ بعين الاعتبار أن تكون اتفاقات النقل التي وقعتها بعثات الأمم المتحدة مع الدول المضيفة، الرامية إلى كفالة الحفاظ على حقوق المحتجزين الذين يجري تسليمهم، أداةً رئيسية تيسِّر للسلطات المحلية نقلًا قانونيًا لهؤلاء الأشخاص.

 3-  ثالثًا: يجب التوليف بين نُهُج مختلفة لحماية المدنيين، على ألّا تكون مبهمة، لتحقيق أفضل نتيجة ممكنة في مجال الحماية.

وفي حين تصون اللجنة الدولية هويتها المحايدة والمستقلة وغير المتحيزة والإنسانية، فإنها كثفت على مرّ السنين مقدار تعاملها مع بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام. وقد ناقشنا مع قيادات هذه البعثات تحليلاتهم لأوجه الاستضعاف التي يواجهها السكان المعرَّضين للخطر لأغراض تتعلق بالتخطيط للعمليات الميدانية. ونظرًا لقربنا من المجتمعات المحلية المتضررة من جرّاء النزاع، فقد شجعنا بعثات الأمم المتحدة على أن تأخذ في الاعتبار وجهات نظر السكان الذين يعتقد بأنهم في خطر، في أثناء تنفيذ ولايات الحماية المُكلفة بها. ولطالما كنا بمثابة مِحكّ يُعتمد عليه لتقييم الرؤى وترمومترٍ للواقع استنادًا إلى وجودنا الكبير على الأرض. كما ساعدنا أيضًا البلدان التي ساهمت بقوات عسكرية وشرطية عن طريق إقامة جلسات توعية قبل نشر القوات تناولت القانون الدولي الإنساني. وفي عام 2016 شارك 18 ألف فرد من قوات حفظ السلام في مثل هذه الجلسات التي نظمتها اللجنة الدولية. واللجنة الدولية ملتزمة بتقديم المزيد وعلى نحو أفضل.

وإجمالًا، كان هذا التشارك إيجابيًا، واتسم بالصراحة والبراجماتية والواقعية. وفي هذا العام، للمرة الثانية، عقدت اللجنة الدولية اجتماع مائدة مستديرة مع مشاركين متعددين في أديس أبابا، بهدف تناول التحديات القانونية والميدانية الناشئة عن بعثات حفظ السلام في إفريقيا. كانت المطارحات مثمرة وساعدت على تحسين فهمنا للتحديات المشتركة التي نواجهها.

 يجب أن تكمل جهودُ أحدنا جهودَ الآخر، مع صون الدور الخاص لكل منظمة وولايتها ومجالات اختصاصها، وفي الوقت نفسه يجب أن نحافظ على مساحة آمنة للمنظمات الإنسانية المحايدة والمستقلة لتقديم العون للأشخاص المتضررين من جرّاء النزاع وتقديم الحماية لهم.

 وفي هذا الشأن، سيصدر تحديث لـ "المعايير المهنية الخاصة بأنشطة الحماية" للجنة الدولية في وقت مبكر من عام 2018. ونأمل أن توفر المعايير المُنقّحة المعلومات التي تسترشد بها بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام لدى وضعها استراتيجياتها لحماية المدنيين وتنفيذها. وبهذه الروح نتطلع إلى استمرار العمل مع جميع بعثات حفظ السلام، والبلدان المساهِمة بقوات عسكرية وشرطية، والأمانة العامة للأمم المتحدة لتعزيز التعاون البناء الذي أُرسي على مدى العقود الماضية.