مقال

كلمة رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر: حماية المدنيين خلال عمليات حفظ السلام

الكلمة التي ألقاها السيد بيتر ماورير رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر أمام مجلس الأمن الدولي في جنيف، سويسرا.

السيد الأمين العام،

سيدي الوزير،

أصحاب المعالي، الزملاء الأعزاء، 

الحرب تعني التدمير – تدمير العدو والأهداف العسكرية والموارد والبنى التحتية. هذا مدعاة للأسى والأسف، وإن لم يكن محظورًا بموجب القانون الدولي الإنساني ومن ثم فهو أمر مقبول. أما ما لا يمكننا قبوله – ما يجب علينا عدم قبوله – أن تدمّر الحرب حياة مدنيين لا حصر لهم. وتحتل حماية المدنيين قلب القانون الدولي الإنساني، كما لها الموقع نفسه من الأهمية في مهمة كل من الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وغالبًا ما تُنشَر قوات حفظ السلام على خطوط المواجهة في النزاعات المسلحة، بصلاحيات واسعة النطاق. ونحن نعرف ذلك لأن اللجنة الدولية تعمل معهم جنبًا إلى جنب في أماكن عديدة، من جنوب السودان إلى مالي وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

ومنذ إيفاد بعثة الأمم المتحدة إلى سيراليون في 1999 تضمنت تفويضات قوات حفظ السلام بصورة متزايدة بند حماية المدنيين، وأنا أشيد بهذا المجلس لالتزامه باستغلال الموارد المتاحة له - وقتما وكيفما أمكن – لضمان الحفاظ على أرواح الأشخاص المتضررين من النزاع.   

وحتمًا أثار نشر قوات حفظ السلام في السياقات التي يسودها العنف، المكلَّفة بتفويض رادع، هذا السؤال: متى وفي ظل أية ظروف ينطبق القانون الدولي الإنساني على هذه القوات؟ أعتقد أن هذه المناقشة الفنية لا ينبغي أن تعوق أحد عن تلمّس تحقيق أعلى المعايير في الأوقات كافة، وهذا يعني احترام للقانون الدولي الإنساني لا تشوبه شائبة.

إن قوات حفظ السلام قواتٌ. ولأن عدد أفراد هذه القوات يتجاوز 120 ألف جندي فهي تشكل – نظريًا – ثالث أكبر جيش في العالم. ولأنهم شهود على أسوأ الفظائع في تاريخ البشر، من مذابح رواندا للبوسنة ومن جنوب السودان إلى جمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال اليوم، فهذا يعني أن تدخلاتها يمكن أن تحدث فارقًا في أشد السياقات صعوبة.

ويُنظر إلى هذه القوات نظرة إكبار. وحيثما تخفق هذه القوات، لأية أسباب، يجب على هذا المجلس بوصفه أداة لتنفيذ المسؤولية الملقاة على عاتقه المتمثلة في تشكيل بعثات حفظ السلام، أن يستخلص استنتاجات ملائمة ويتصرف بناءً عليها بالتعاون مع البلدان المساهمة بقواتها، بما في ذلك التحرك حيال المزاعم الأخيرة حول تعرض الأطفال لعنف جنسي وقتل المدنيين. 

وكما تعلمون جميعًا فإن اللجنة الدولية تعمل على الخطوط الأمامية للنزاعات المسلحة حول العالم، وغالبًا ما تكون اللجنة الدولية ضمن آخر المنظمات الإنسانية الدولية التي تترك الميدان في هذه السياقات، قريبة من الناس. وما نعلمه من خلال قربنا من الناس في أكثر من 80 بلدًا أن المجتمعات تتمتع بقوة هائلة لا سيما في أوقات الضعف وحالات الطوارئ. ولا يجب على العاملين في مجال العمل الإنساني ولا قوات حفظ السلام الحدّ من، أو الحيلولة دون، تمكينهم من الاشتراك في تغيير واقعهم.

وعلى أية حال، فأهلُ هذه المجتمعات هم أدرى الناس ببيئاتهم وبديناميات التغيير فيها. وقد شهدت بنفسي أمثلة بارزة لرجال ونساء محليين يتفاوضون من أجل ضمان إمكانية وصول المنظمات الإنسانية للمحتاجين على الفور. وثمة دور تؤديه قوات حفظ السلام في إشراك المجتمع المحلي، كما أشار السيد الأمين العام أيضًا قبيل اجتماع اليوم. ويجب أن تخلق قوات حفظ السلام هذه المساحات من العمل وتدعمها، بحيث يمكن للسكان المحليين التفاوض بأنفسهم.

وكما تقف قوات حفظ السلام والعاملين في مجال العمل الإنساني في الميدان جنبًا إلى جنب، من المهم للغاية أيضًا للّجنة الدولية أن يُنظر إليها كما هي على وجه الحقيقة – أيْ بوصفها المنظمة الإنسانية المحايدة والمستقلة وغير المتحيزة. إن أيّ نوع من اللَّبس أو الخلط بين التفويض السياسي لبعثات قوات حفظ السلام ومبادئ الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر من شأنه أن يهدد وصولنا للأشخاص المحتاجين ويعرّض أرواح زملائنا للخطر. إننا سوف نواصل الحفاظ على تميّزنا وضمان تمكّننا من إيصال المساعدات للأشخاص الذين يعانون في ظل الحروب بأفضل ما تؤهلنا له إمكانياتنا، ونحن نطالب قوات حفظ السلام وهذا المجلس بانتهاج السبيل ذاته. سوف نواصل الاعتماد على بروتوكولات الأمن الخاصة بنا، التي لا تجيز حمل السلاح بل التفاوض مع حملة السلاح والوصول إلى إجماع رأي منهم والشفافية بشأن تدخلنا القائم على التقييم الصارم للاحتياجات.   

ونحن نرغب أيضًا في مواصلة العمل مع بعثات حفظ السلام والجنود وقوات الشرطة من البلدان المساهمة والأمانة العامة للأمم المتحدة لتحقيق استغلال أكبر للتعاون المثمر الذي أرسيناه على مر عقود من الزمن.

ونحن على استعداد لزيادة برامج التدريب التي نقدمها لقوات حفظ السلام حول القانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين – كمًّا وكيفًا – قبيل نشر القوات وفي الميدان، وتعزيز حوارنا مع الأطراف كافة حول الحماية. ونحن على استعداد للتدخل على جبهات النزاع والاشتراك في حوار مع حملة السلاح كافةً للتوصل إلى ترتيبات يمكن عن طريقها تحقيق الحماية للمدنيين واحترام القانون الدولي الإنساني. وفي أغلب الأحيان تتمثل الخطوة الأولى على طريق توفير حماية أفضل في إعادة بناء الحد الأدنى من الثقة في أوساط المتحاربين عبر قنوات الاتصال.   

وعن طريق خبرتنا القيّمة في مجال الاحتجاز، يمكننا أن نقدم العون لمجلس الأمن في التحضير لتلك الحالات التي قد يعمد فيها العاملون في قوات حفظ السلام إلى إلقاء القبض على الأشخاص واحتجازهم. لقد رأينا من خلال خبرتنا السابقة أن الإعداد لهذه اللحظات يثمر نتائج أفضل من مجرد الاندفاع نحو الفعل في ظل حالة طارئة. إننا نحتاج إلى وضع البروتوكولات والتدابير اللازمة لأنشطة الاحتجاز ونقل المحتجزين ووصول اللجنة الدولية، قبل بدء العمليات.    

وثمة إجراءات فاعلة أخرى يمكن للمجلس أن يتخذها التماسًا لحماية فعالة للمدنيين، ومنها:

  • الزيادة المضطردة لوجود قوات حفظ السلام حيثما دعت الضرورة ردعًا للعنف بصورة فعالة،
  • تدريب هذه القوات وإمدادها بالمعدات والموارد بصورة ملائمة بحيث يمكنها أداء مهامها على أكمل وجه،
  • تطوير إجراءات التشغيل الموحدة لبعثات حفظ السلام المختلطة،
  • ضمان أعلى مستوى من المعايير السلوكية،
  • وأخيرًا – بحسب ما تنص عليه اتفاقيات جنيف – احترام القانون الدولي الإنساني وضمان توفير الاحترام له في الأوقات كافة بما في ذلك أثناء التدخل الإنساني المحايد والمستقل وغير المتحيز.

 

شكرًا جزيلاً لكم