بيان

الأسلحة: بيان اللجنة الدولية للصليب الأحمر للأمم المتحدة، 2015

نقاش عام لكافة البنود المتعلّقة بنزع السلاح والأمن الدولي على جدول الأعمال، الجمعية العامة للأمم المتحدة الدورة السبعون في نيويورك، تشرين الأول/أكتوبر 2015.

تحل الذكرى السبعون لإنشاء الأمم المتحدة العام الجاري وتجلب معها فرصة للتدبّر في مدى التقدم المحرز على صعيد تعزيز "نزع السلاح وتنظيم التسليح"، حسبما دعا إليه ميثاق الأمم المتحدة. وتسهم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في هذا الفكر المتروِ من منظورها كمنظمة إنسانية مهمتها حماية ضحايا النزاعات المسلحة وتقديم المساعدة لهم والحيلولة دون المعاناة من خلال نشر وتعزيز القانون الدولي الإنساني، المعروف أيضا بقانون النزاع المسلح أو قانون الحرب.

لقد كانت السمة المميزة للنزاعات المسلحة على مدى السنوات السبعين المنصرمة – بل والقرن الماضي في واقع الأمر – هي استخدام منظومات أسلحة قادرة على توجيه ضربات تفجيرية هائلة عن بعد وعلى مساحات واسعة. وقد أدَّت تلك الأسلحة من قنابل ضخمة وصواريخ ومنظومات أسلحة نارية غير مباشرة تشمل قذائف الهاون والصواريخ والمدفعية، فضلاً عن قاذفات الصواريخ متعددة الفواهات، الغرض الذي استخدمتها الجيوش من أجله على أكمل وجه في ساحات القتال المفتوحة. ولكن عندما تُستخدم تلك الأسلحة ضد أهداف عسكرية تقع في مناطق مأهولة بالسكان، فإنها تعرض السكان المدنيين لآثار مدمّرة عشوائية في كثير من الأحيان، ونحن مازلنا نشهد تلك الآثار في النزاعات المسلحة الجارية. ويفضي أيضاً استخدام جماعات مسلحة من غير الدول أسلحة متفجرة مرتجلة في مناطق مأهولة بالسكان إلى معاناة ضخمة. ففضلاً عن تسبّب الأسلحة المتفجرة المستخدمة في مناطق مأهولة بالسكان في حدوث حالات وفاة وإصابات فورية وفي إلحاق الدمار الماحق، فإنها تخلّف آثاراً جسيمة "ينعكس مردودها" على المدنيين وتتفاقم مع استمرار الأعمال العدائية لفترات ممتدة. وتتعطل الخدمات الأساسية التي يعتمد عليها السكان المدنيون من أجل البقاء على قيد الحياة، ومن ضمنها توفير الرعاية الصحية، جراء الأضرار العرضية التي تلحق بالبنية التحتية المدنية الحيوية، كمرافق المياه والكهرباء وشبكات الإمدادات. ويهدد هذا الوضع بدوره أيضاً حياة المدنيين وصحتهم ويدفعهم إلى النزوح.

وتتضح من ثم حتمية تجنّب استخدام الأسلحة المتفجرة ذات التأثير واسع النطاق في المناطق المكتظة بالسكان نظراً للآثار العشوائية الضخمة التي من المُرجّح أن تنجم عنها. وتكتسي هذه المسألة أهمية كبرى بالنسبة لكافة الدول وليس فقط للدول المنخرطة حالياً في نزاعات مسلحة، حيث أن هذه الأنواع من الأسلحة موجودة في ترسانات معظم القوات المسلحة. وينبغي للدول، في ضوء الأضرار المدنية واسعة النطاق التي يشهدها العالم اليوم، أن توضح كيفية ضمان احترام قواتها المسلحة للقانون الدولي الإنساني إبان اختيارها للأسلحة المستخدمة أثناء شن الأعمال القتالية في مناطق مأهولة بالسكان. وتدعو اللجنة الدولية الدول إلى نشر سياساتها وممارساتها ذات الصلة، شاملة القيود التي تفرضها على استخدام بعض الأسلحة المتفجرة في مناطق مأهولة بالسكان بسبب عدم دقتها أو نظراً للآثار التي تخلفها في مجالات أخرى. وهذا النشر من شأنه أن يفيد المناقشات الدائرة حول هذه القضية الإنسانية الهامة، ومساعدة الأطراف المنخرطة في النزاعات المسلحة التي تسعى بإخلاص وبقصد حسن إلى الامتثال للقانون، وأن يؤدي في نهاية المطاف إلى توفير حماية أفضل للمدنيين في المناطق المأهولة بالسكان.

وتطلّع أول قرار اتخذته الجمعية العامة منذ ما يقرب من سبعين عاماً إلى "إزالة الأسلحة الذرية وجميع الأسلحة الأخرى التي يمكن تكييفها من أجل إحداث الدمار الشامل من منظومات التسليح الوطني" . ولكن بعد انقضاء 70 عاماً، وفي تناقض صارخ للحظر الشامل المفروض على الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، ما فتئت الأسلحة النووية تشكّل الفئة الوحيدة من أسلحة الدمار الشامل التي لم تخضع حتى الآن لحظر عالمي. ولا يمكن بأي حال من الأحوال قبول الوضع الراهن نظراً لوجود وعي غير مسبوق بالآثار الإنسانية الكارثية التي تنجم عن استخدام الأسلحة النووية بأي شكل كان، حسبما أقرت صراحة الدول الأطراف في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية عام 2010. واستعرضت ثلاثة مؤتمرات دولية حول التبعات الإنسانية للأسلحة النووية عُقدت في أوسلو وناياريت وفيينا خلال عامي 2013 و 2014، أدلة تبرهن على أن استخدام الأسلحة النووية قد يفضي إلى معاناة يصعب تخيل نطاقها سواء فورياً أو على المدى البعيد، يتحمل وطأتها الأفراد والمجتمعات ونظم الرعاية الصحية والبيئة. وقد نشرت اللجنة الدولية مؤخراً بالتعاون مع جمعية الصليب الأحمر الياباني تقريراً تضمّن نتيجة صادمة مفادها أن مستشفيات الصليب الأحمر مازالت تعالج آلاف الناجين من التداعيات طويلة الأمد الناجمة عن التعرض للإشعاع، حتى بعد مرور 70 عاماً على إلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناغازاكي.

وساق هذا الدليل القاطع على التكلفة البشرية المروعة للأسلحة النووية الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر إلى استنتاج مفاداه صعوبة تصوّر إمكانية توافق أي شكل من أشكال استخدام الأسلحة النووية مع أحكام القانون الدولي الإنساني. وحثت الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر الدول استناداً إلى ذلك على التفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق دولي ملزم من الناحية القانونية يقضي بحظر استخدام الأسلحة النووية والقضاء عليها تماماً، بناءً على الالتزامات والتعهدات الدولية القائمة.

وقد تقع بعض الدول في حالات عدم الاستقرار الدولي فريسة لتصور خادع مفاده أن الأسلحة النووية أداة لضمان أمنها. ولكن الأسلحة التي تهدد بالتسبب في تداعيات إنسانية كارثية لا سبيل لمحوها أو البرء منها لا يمكن جدياً اعتبارها وسيلة لحماية المدنيين أو الإنسانية جمعاء. وتقر أغلبية كبيرة من الدول في الوقت الراهن بأن التبعات الإنسانية للأسلحة النووية لم يعد من الممكن تجاهلها، وبضرورة دعم ومناصرة كافة الجهود الرامية إلى نزع السلاح النووي. وقد ناشد رئيس اللجنة الدولية السيد بيتر ماورير في وقت سابق من العام الجاري جميع الدول أن تضع إطاراً زمنياً محدداً للتفاوض بشأن التوصل إلى اتفاق ملزم من الناحية القانونية لحظر استخدام الأسلحة النووية وإزالتها، والنظر في الصيغة التي يمكن أن يخرج بها هذا الاتفاق. ووجه السيد ماورير في الوقت نفسه نداءً إلى الدول التي تمتلك أسلحة نووية للحد من الحيز الذي تحتله الأسلحة النووية في عقيدتها العسكرية ولتقليص عدد الأسلحة النووية التي تضعها في حالة تأهب قصوى، بما يتفق والالتزامات القائمة، وذلك للحد من مخاطر الاستخدام المتعمّد أو العرضي للأسلحة النووية. ونحن نكرر هذه المناشدة هنا اليوم.

وتقترن بمخاطر استخدام الأسلحة النووية مخاوف عدة، ولا سيما بشأن تسليح الفضاء الخارجي. فبينما تحظر معاهدة الفضاء الخارجي بوضوح وضع أي نوع من أسلحة الدمار الشامل في مدار الأرض، فإنها لا تطبق هذا الحظر صراحة على أسلحة أخرى، رغم أن جميع الدول تقريباً تدعم منع أي سباق للتسلح في الفضاء الخارجي. وتوجد حقيقة مؤكدة هي أن أي استخدام معادٍ للفضاء الخارجي أثناء النزاعات المسلحة – بمعنى استخدام وسائل وأساليب حرب في الفضاء الخارجي أو من الفضاء الخارجي أو عبره - يجب أن يمتثل لأحكام القانون الدولي الإنساني، ولا سيما قواعد التمييز والتناسب واتخاذ الاحتياطات أثناء الهجوم. ولابد من التشديد على أن اللجنة الدولية، وإن كانت تؤكد أن القانون الدولي الإنساني ينطبق على الحروب في الفضاء الخارجي، إلا أنها لا تغض الطرف بأي حال من الأحوال عن تسليح الفضاء الخارجي الذي سعت الأمم المتحدة إلى منعه من خلال قرارات متكررة لجمعيتها العامة. فالمقصود هو أن حروب الفضاء الخارجي لن تنشب في ظل فراغ قانوني، وأن هناك أحكاماً قانونية تنطبق عليها.

بيد أن احترام القانون الدولي الإنساني في حروب الفضاء الخارجي سيكون مهمة صعبة للغاية ومحفوفة بالتحديات، لأن معظم الأقمار الفضائية أو الأنظمة الأخرى المستخدمة لأغراض عسكرية تؤدي أيضاً وظائف مدنية. وقد تترتب عواقب إنسانية ضخمة على توجيه هجمات ضد هذه الأنظمة التي تنطوي بدرجة كبيرة على إدماج "استخدام مزدوج" حال استخدام وسائل حركية أو غير حركية، حيث يمكن أن يتضرر منها ملايين المدنيين على الأرض، على سبيل المثال من جراء تعطّل خدمات الرعاية الصحية وتوقّف خدمات ضرورية أخرى تعتمد على نظم الاتصالات الفضائية. وعلاوة على ذلك، فإن الهجمات الحركية ضد الأجسام الفضائية من الممكن أن تخلّف لا سيما عدداً لا يحصى من الشظايا المتناثرة قد تبقى هائمة في مدار الأرض لمدة عقود وتنال من الاستخدام السلمي للفضاء الخارجي. وينبغي للدول أن تدرس بعناية شديدة العواقب واسعة النطاق التي تخلفها الحرب الفضائية على السكان المدنيين حينما تسعى إلى فرض قيود على الاستخدامات العسكرية للفضاء الخارجي.

وعندما تعلن اللجنة الدولية أن حرب الفضاء الالكتروني يجب أن تمتثل لأحكام القانون الدولي الإنساني فإنها وعلى المنوال نفسه لا تشجع بأي صورة من الصور على استخدام الفضاء الالكتروني لأغراض عدائية أثناء النزاعات المسلحة، بل إنها تؤكد فحسب أن استخدام الوسائل الإلكترونية، حال حدوثه، يجب أن يتوافق وأحكام القانون الدولي الإنساني. وترحب اللجنة الدولية في هذا الصدد بإشارة فريق الخبراء الحكوميين التابع للأمم المتحدة والمعني بالتطورات في مجال المعلومات والاتصالات في سياق الأمن الدولي إلى "المبادئ القانونية الدولية الراسخة، متضمنة عند الاقتضاء، مبادئ الإنسانية والضرورة والتناسب والتمييز". ولكن، كما هو الحال بالنسبة للمنظومات الفضائية، فإن حجم تغلغل التكنولوجيا المدعومة بشبكات الإنترنت في معظم جوانب الحياة المدنية يجعل العواقب الإنسانية المحتملة من جراء توجيه هجمات ضد هذه الشبكات مسألة مثيرة للقلق البالغ.

ويُعتبر التطوّر الذي طرأ على منظومات الأسلحة مجالاً آخر من المجالات التي تبعث على القلق من الناحية الإنسانية، حيث باتت تلك الأسلحة مزودة بقدرة على اختيار الأهداف ومهاجمتها بشكل مستقل ودون أي تدخل بشري. ويشمل ذلك مجموعة واسعة من منظومات الأسلحة التي تندرج تحت مسمى منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل، والتي يُشار إليها أحياناً باسم "منظومات الأسلحة الفتاكة الذاتية التشغيل". وقد أظهرت المناقشات التي دارت بين الخبراء الحكوميين والمستقلين في إطار اتفاقية الأمم المتحدة بشأن أسلحة تقليدية معينة والتي عُنيت بالآثار القانونية والعسكرية والأخلاقية لتلك الأسلحة، وجود اتفاق واسع حول وجوب الاحتفاظ بالسيطرة البشرية على الوظائف الحيوية لمنظومات الأسلحة. ونظراً للوتيرة السريعة التي يتميز بها التطور في مجال الروبوتات العسكرية، فقد آن الأوان للدول أن تنظر بشكل عاجل في عناصر السيطرة البشرية المجدية أو الملائمة أو الفعّالة على استخدام القوة. وتشجّع اللجنة الدولية الدول على تحويل اهتمامها في الوقت الراهن نحو فرض قيود على التشغيل الذاتي للوظائف الحيوية لمنظومات الأسلحة بغية التأكد من إمكانية استخدامها وفقاً لأحكام القانون الدولي الإنساني وضمن حدود ما هو مقبول في إطار ما يمليه الضمير العام.

وتتحمل الدول جميعها مسؤولية كفالة احترام القانون الدولي الإنساني ليس فقط وهي بصدد تطوير واستخدام أسلحة جديدة، بل وأيضاً فيما يخص القرارات التي تتخذها بشأن نقل الأسلحة. فقد أقرت الدول صراحة بذلك في معاهدة تجارة الأسلحة التي أرست معياراً عالمياً وشاملاً لمسؤولية الدول عن مراقبة وتنظيم نقل الأسلحة. وتشترط الاتفاقية على الدول أن تحترم القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان في قراراتها الخاصة بنقل الأسلحة، وأن تتخذ التدابير اللازمة لمنع تسريب الأسلحة إلى الأسواق غير المشروعة، وهي من ثم تهدف إلى ضمان عدم وقوع الأسلحة في أيدي من يُحتمل أن يستخدموها لارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وغير ذلك من الجرائم الخطيرة. وسيعزز هذا الاتجاه في نهاية المطاف الحماية الممنوحة للمدنيين أثناء النزاعات المسلحة، وهو ما دفع اللجنة الدولية إلى مناشدة جميع الدول التي لم تنضم بعد إلى المعاهدة أن تنضم إليها وأن تنفذ أحكامها بكل إخلاص وأمانة. وتبرز الحاجة المُلحة إلى سد الفجوة بين القانون والممارسة مع استمرار تدفق الأسلحة من خلال عمليات نقل علنية أو سرية أو من خلال تسريبات إلى بعض المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة وحشية مثل النزاعات التي تدور رحاها حالياً في أجزاء من الشرق الأوسط وأفريقيا. وحالما تقوم الدول بذلك فإنها تكون قد أوفت أيضاً بتعهدها "تنظيم التسليح"، ذلك التعهد الذي قطعته الدول على نفسها قبل سبعين عاماً في ميثاق الأمم المتحدة.