مقال

غزة: العاملين في مجال المساعدات الإنسانية

يحتفل المجتمع الدولي يوم التاسع عشر من شهر آب/ أغسطس كل عام باليوم العالمي للعمل الإنساني، وذلك تكريمًا لأرواح العاملين في مجال المساعدات الإنسانية الذين قدموا أرواحهم فداءً للواجب. وتهدف المناسبة، التي تحمل هذا العام شعار "إلهام إنسانية العالم"، إلى إلهام الناس وتمكينهم ليتكاتفوا معًا كي تنعم البشرية بعالم تسود فيه مظاهر الإنسانية.

تعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر في أماكن تفرض على العاملين في المجال الإنساني مرارًا تقديم تضحيات كبيرة لمدّ يد العون لمن يحتاجون المساعدة. واليوم، بعد مرور عام على النزاع الذي شهدته غزة عام 2014، تحدثنا مع الغزيّين الذين خاطروا بأرواحهم في سبيل مساعدة المجتمعات المحلية التي تأثرت جرّاء النزاع، والذين لم يتوانوا للحظة عن أداء عملهم الإنساني. فهؤلاء، مع نظرائهم في إسرائيل وفي كل مكان، يمثلون مصدر إلهام لنا جميعًا.


محمد، مدير الإسعاف والطوارئ في أحد فروع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، مخاطبًا جمعًا من المتطوعين أثناء حرب غزة 2014. يشغل محمد الهسّي، البالغ من العمر 40 عامًا، منصب مدير الإسعاف والطوارئ في إحدى محطات جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في جنوب القطاع. انضم محمد للعمل بالجمعية منذ عام 1999، ويعمل في إحدى أكثر المحطات انشغالًا. ولا يخلو عمله من المخاطر، إذ سبق أن تعرض لإصابة بالغة عندما كان يعمل على إجلاء المرضى في عام 2002.

يقول محمد: "لكن أصعب حادثة مرّت عليّ كانت مقتل أحد المتطوعين العاملين في محطتي أثناء النزاع في الصيف الماضي". يروي محمد التفاصيل قائلًا: "كنت مُجهدًا في ذلك اليوم، وكنت في الحقيقة نائمًا عندما جاءني متطوّع ليخبرني أن إحدى سيارات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني قد أصيبت. وعندما حصلنا على الضوء الأخضر، تمكنّا من الذهاب إلى موقع الحادثة، لكن القتال المحتدم حال دون انتشال جثته. عقدت الصدمة لساني".لا شك أن هذه الخسارة المفجعة أثرت على معنويات الفريق. يضيف محمد: "تسلل القلق إلى نفوس أشجع أعضاء الفريق. في البداية حاولت جاهدًا إقناعهم بمواصلة العمل، نظرًا لتزايد الاحتياجات بشكل سريع. لكن ما أن تلقينا بلاغًا بوقوع قصفٍ جديد، هرع الجميع للمساعدة على الفور!"

وأثناء النزاع الأخير، لقي اثنان من متطوعي الهلال الأحمر الفلسطيني حتفهما أثناء أدائهما واجبهما وأصيب الكثيرون. فيما لحق ضرر جزئي بإحدى محطات الإسعاف والطوارئ وكذلك بالمستشفى.

© Mohamed Mansour, Palestinian Red Crescent Society


يعمل محمود البالغ من العمر 35 عامًا مهندس مياه لدى مصلحة مياه بلديات الساحل بقطاع غزة. يساعد محمود في أعمال صيانة شبكات المياه والصرف الصحي، وشمل ذلك إجراء أعمال الصيانة أثناء النزاعين الذين شهدهما القطاع في عامي 2012 و2014. وهو دور يتطلب بلا شك الكثير من الشجاعة؛ ففي الصيف الماضي فقط، فقدت المصلحة 13 من العاملين فيها في غمار النزاع الأخير بينما كانوا يحاولون إصلاح خطوط الإمداد بالمياه.

يستحضر محمود الأحداث قائلًا: "شهد الوضع الإنساني تدهورًا سريعًا على إثر تضرّر البنية التحتية للكهرباء والمياه في 2014". "لكن أبرز موقف عايشته كان أثناء وقف إطلاق النار الأول، بينما كنت مع العمّال نعمل على إصلاح أنابيب المياه في خُزاعة. فعندما بدؤوا توزيع المياه، فوجئنا بهجوم السكان على الشاحنة هجومًا مستميتًا، يبتغون الحصول على المياه". ويردف محمود قائلًا: "بالطبع إن الماء هو سرّ الحياة لجميع الكائنات. ولقد اضطررنا إلى تعديل خطط التوزيع التي أعددناها لنضمن تركيزًا أكبر على المناطق الأكثر احتياجًا للمياه".

ويتابع محمود متحدثًا عن دوافعه قائلًا: "كثيرًا ما كنت أفكر في أسرتي وكيف لهم أن يدبّروا احتياجاتهم من المياه، وشعرت بمسؤوليتي عن الفنيين والسائقين الذين كانوا يرافقونني". يشعر محمود بالفخر لما بذلوه، ويؤمن أننا خُلقنا على الأرض ليساعد بعضنا بعضًا. واختتم حديثه قائلًا: "عندما يكون هدفك إنسانيًا، تأتيك السعادةمن مساعدتك الآخرين".

© Coastal Municipalities Water Utility 

أيمن، 31 سنة، متزوج ووالد لطفلين، انضم للجنة الدولية لشغل منصب موظف دعم لوجيستي في أوائل عام 2009، عقب انتهاء حرب إسرائيل على غزة. وهو يدير المخازن وسلاسل الإمداد.

"لم يكن الأمر سهلا بالنسبة لي في البداية فقد كان ضغط الشغل كبيرًا. إن العمل أثناء النزاعات وحالات الطوارئ قد يكون أقل صعوبة بالفعل من العمل عقب انتهاء النزاعات والطوارئ". عمل أيمن وفريقه لمدة 16 ساعة يوميًا لمدة شهرين متتابعين من أجل تلبية احتياجات المتضررين.

وأثناء حالات الطوارئ يشعر أيمن بالقلق كثيرًا حيال سلامة أعضاء فريقه. وعندما اتصل به زميل هاتفيًا في 2014 في منتصف الليل ليخبره بأن المخزن قد تعرض لأضرار بسبب القصف القريب منه، شعر أيمن بقلق شديد. "لكنني أعطيته تعليمات لضمان سلامته". 

ويختتم أيمن كلامه قائلا: "في مثل هذه الأوقات، أي أثناء النزاعات، من الصعب للغاية أن أترك عائلتي أثناء النزاع في المنزل لكن ما يسهّل المسألة أنني أقدم المساعدة لمن هم بحاجة لها".

© Yaseen Ashour, ICRC

هناء، 33 عامًا، ممرضة تعمل في غرفة الطوارئ في مستشفى شهداء الأقصى في المنطقة الوسطى بقطاع غزة. يقدم المستشفى خدماته للمنطقة الوسطى بالكامل حيث يبلغ عدد المستفيدين منها زهاء 150000 شخص.

عملت هناء أثناء النزاع الأخير وكانت داخل المستشفى عندما قُصف. تقول: "كنت أؤدي عملي في ذلك الوقت. كان القصف مرعبًا". عاشت هناء وفريق المستشفى في هذا الموقف العصيب، لكنه لم يمنع أيا منهم من أداء عمله. وتضيف هناء: "اللحظة الأصعب على الإطلاق كانت عندما شعرت بأن الخطر يحدق بحياتي، لكن حياة مئات من الناس تتوقف على مساعدتي لهم".

© Shadow Pro, ICRC

أحمد، 30 عامًا، متزوج ووالد لطفلين، يعمل لدى اللجنة الدولية منذ 2010. تجعله طبيعة عمله في اتصال مستمر مع فرق ومجتمعات مختلفة. يقول: "مكّنني هذا من فهم أهمية عمل اللجنة الدولية. ورأيت بأم عيني كيف كان تأثير عملنا إيجابيًا على حياة من هم بحاجة للمساعدة".

ويتابع: "في العام الماضي عندما كنا نقوم بإجلاء السكان من إحدى المناطق رأيت سيدة مسنة تسير على زجاج مهشم وركام، كانت تبكي وطلبت منا أن ننقذها. قالت إن الجميع فروا وتركوها وحدها". بدا على أحمد التأثر الشديد وهو يتذكر، وأضاف قائلا: "ماذا كنت لأفعل لو أنني مكانها؟!"
كان أكبر همّ يثقل كاهل أحمد في ذلك الوقت أن يتمكن من إجلاء الجميع من مناطق النزاع بأمان. يقول: "شعرت بالمسؤولية تجاه الجميع".

يشعر أحمد أن خبرته مع اللجنة الدولية علمته أن يعمل كثيرًا ويتكلم قليلاً. والرسالة التي يود توجيهها للعاملين كافة في المجال الإنساني في اليوم العالمي للعمل الإنساني هي: "إن محاولتنا تحقيق السعادة للمحتاجين مسألة مهمة للغاية، إذ لهذا السبب خُلقنا بشرًا."

© Shadow Pro, ICRC

إبراهيم، 34 عامًا، متزوج ويعمل موظف إسعاف في الدفاع المدني لمدينة غزة منذ عدة سنوات، وهو موظف طوارئ ذو خبرة. كان إبراهيم وزملاؤه على الخطوط الأمامية مع طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني والبلديات لإفساح الطريق للدخول إلى المناطق المتضررة للغاية وإنقاذ الأرواح. يقول إبراهيم: "باعتباري موظف إسعاف واجهتُ مواقف كثيرة ورأيت الكثير. رأيت المصابين والقتلى بل وأشلاء جثث. كنا منهكين للغاية بنهاية الحرب الأخيرة. ويضيف إبراهيم: " على الرغم من كل شيء، واصلنا عملنا. شعرت بالسعادة في كل مرة ساعدت شخصًا يحتاج المساعدة".

©  ICRC

 للتعرف على المزيد، يمكنكم قراءة: اليوم العالمي للعمل الإنساني 2015