بيان

الأسلحة ذاتية التشغيل: توصي اللجنة الدولية باعتماد قواعد جديدة

ترحب اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) باستئناف فريق الخبراء الحكوميين عمله في هذه المرحلة الحاسمة من المداولات متعددة الأطراف بشأن منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل، وقبل أقل من خمسة أشهر من انعقاد المؤتمر الاستعراضي للاتفاقية.

وتقدّر اللجنة الدولية الجهود التي يبذلها رئيس فريق الخبراء الحكوميين، السفير مارك بيكستين دو بويتسويرف من بلجيكا، من أجل التماس مقترحات لتوصيات بتوافق الآراء تصدر عن المؤتمر الاستعراضي بشأن "الإطار المعياري والتشغيلي". وترى اللجنة الدولية أنه ثمة حاجة إلى استجابة دولية عاجلة وفعالة من أجل التصدي للمخاطر الجسيمة التي تثيرها منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل، على النحو الذي أبرزته العديد من الدول ومنظمات المجتمع المدني خلال العقد الماضي.

وتنشأ هذه المخاطر عن طريقة عمل منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل. وتعلم اللجنة الدولية أن هذه الأسلحة تقوم، بعد تشغيلها الأولي، باختيار الأهداف واستخدام القوة ضدها دون تدخل بشري، بمعنى أنها تُفعّل برصد بيئتها بناءً على "تصنيف للهدف" يُشكّل مقاربة عامة لنوع الهدف. ولا يختار مستخدم منظومة الأسلحة ذاتية التشغيل الهدف المحدد، ولا التوقيت أو المكان الدقيق لاستخدام القوة.

وتؤدي هذه العملية إلى خطر فقدان السيطرة البشرية على استخدام القوة، وهي مصدر الشواغل الإنسانية والقانونية والأخلاقية. وهي شواغل جسيمة عندما نضع في اعتبارنا أنه يمكن دمج التشغيل الذاتي لوظيفتي اختيار الأهداف واستخدام القوة ضدها الأساسيتين في أي منظومة للأسلحة.

ويكمن التحدي الرئيسي المتعلق بمنظومات الأسلحة ذاتية التشغيل في صعوبة توقع آثارها والحد منها. فمن منظور إنساني، تنطوي هذه المنظومات على خطر إلحاق الأذى بالأشخاص المتضررين من النزاعات المسلحة، من المدنيين والمقاتلين العاجزين عن القتال على السواء، وتزيد من خطر تصاعد حدّة النزاعات. ومن منظور قانوني، تطرح تحديات  تقوض قدرة الأشخاص الذين يجب عليهم تطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني على الامتثال لالتزاماتهم أثناء التخطيط للهجمات واتخاذ القرار بشأنها وتنفيذها.

ومن منظور أخلاقي، تنطوي طريقة التشغيل هذه على خطر الاستعاضة فعلياً عن القرارات البشرية بشأن الحياة والموت بعمليات تقوم على أجهزة الاستشعار والبرمجيات والآلات. ويثير ذلك شواغل أخلاقية بالغة الحدة عندما تُستخدم منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل لأغراض استهداف الأفراد مباشرة.

واليوم، يخضع استخدام منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل لقيود شديدة، إذ تُستخدم في الغالب ضد أنواع معينة من الأعيان العسكرية، ولفترات زمنية محدودة، وفي مناطق محظورة لا يوجد فيها مدنيون، وتحت إشراف بشري دقيق.

وعلى الرغم من ذلك، تؤدي التوجهات الحالية في توسيع نطاق تطوير منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل واستخدامها إلى تفاقم الشواغل الأساسية بشكل كبير. وعلى وجه التحديد، يوجد اهتمام عسكري باستخدامها ضد مجموعة واسعة من الأهداف، وفي مناطق أكبر ولفترات زمنية أطول، وفي المناطق الحضرية حيث سيكون المدنيون أكثر عرضة للخطر، وبإشراف بشري محدود وقدرة بشرية محدودة على التدخل وإلغاء التفعيل.

ومن المثير للقلق زيادة استطلاع إمكانيات استخدام الذكاء الاصطناعي وبرمجيات التعلم الآلي للتحكم في الوظيفتين الأساسيتين لاختيار الأهداف واستخدام القوة ضدها، وهو من شأنه أن يزيد من تعقيد المهمة الصعبة أصلاً التي يواجهها المستخدمون في توقع آثار منظومة الأسلحة ذاتية التشغيل والحد منها.

وفي ضوء ما تقدم، يقع على عاتق الأطراف المتعاقدة السامية في الاتفاقية المتعلقة بأسلحة تقليدية معينة مسؤولية إحراز تقدم في توضيح الإطار المعياري والتشغيلي لمنظومات الأسلحة ذاتية التشغيل ودراسته وتطويره، والفرصة متاحة أمامها من أجل إحراز ذلك.

واغتناماً لهذه الفرصة، قدمت اللجنة الدولية توصيات إلى جميع الدول في 12 أيار/مايو 2021، وإلى رئيس فريق الخبراء الحكوميين أيضاً في 11 حزيران/يونيو 2021.

وتوصي اللجنة الدولية بأن تعتمد الدول قواعد جديدة ملزمة قانوناً لتنظيم منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل من أجل ضمان الحفاظ على القدر الكافي من السيطرة والحكم البشريين على استخدام القوة. وترى اللجنة الدولية أن هذا سيتطلب حظر أنواع معينة من منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل وتنظيم جميع منظومات الأسلحة الأخرى ذاتية التشغيل تنظيماً صارماً.

أولاً، ينبغي بصريح العبارة استبعاد منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل التي لا يمكن التنبؤ بها، وذلك لأسباب أبرزها الآثار العشوائية التي تحدثها. وأفضل طريقة لتحقيق ذلك هي حظر منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل المصممة أو المستخدمة بطريقة لا يمكن بها فهم آثار هذه المنظومات والتنبؤ بها وتفسيرها بالقدر الكافي.

ثانياً، ينبغي استبعاد استخدام منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل لأغراض استهداف البشر. وأفضل طريقة لتحقيق ذلك هي حظر منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل المصممة أو المستخدمة من أجل استعمال القوة ضد الأفراد مباشرة على عكس تلك التي تستخدم القوة ضد الأعيان.

ثالثاً، ينبغي تنظيم عمليتي تصميم منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل غير المحظورة واستخدامها، بما يشمل مجموعة من القيود على أنواع الأهداف، من قبيل حصر استخدامها في الأعيان التي تكون بطبيعتها أهدافاً عسكرية؛ والقيود على المدة والنطاق الجغرافي ونطاق الاستخدام، بما في ذلك من أجل إتاحة المجال للحكم والسيطرة البشريين فيما يتعلق بهجوم محدد؛ والقيود على حالات الاستخدام، مثل حصر استخدامها في الحالات التي لا يوجد فيها مدنيون أو أعيان مدنية؛ وفرض شرط للتفاعل بين الإنسان والآلة، لا سيما من أجل ضمان الإشراف البشري الفعال والتدخل وإلغاء التفعيل في الوقت المناسب.

وترى اللجنة الدولية أن هذه المحظورات والقيود المقترحة تتماشى مع الممارسة العسكرية الحالية في استخدام منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل.

وفي حين تقدم هذه التوصيات توجيهات واضحة ومراعية للمبادئ وعملية ترسم حد المقبولية في ضوء الشواغل الإنسانية والقانونية والأخلاقية، فهي ليست نص معاهدة جاهز، وستتطلب التفاصيل الدقيقة لهذه القيود مزيداً من التوضيح من جانب الدول.

وبالتالي، فإنه من المشجع وجود توافق متزايد في الآراء بين الدول بشأن حظر بعض منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل أو استبعاد تطويرها واستخدامها بشكل آخر، وخضوع منظومات الأسلحة الأخرى ذاتية التشغيل إلى التنظيم أو الحد بطريقة أخرى من تطويرها واستخدامها.

وتعكس هذه المقترحات آراء سائدة على نطاق واسع، هي الإقرار بالحاجة إلى ضمان السيطرة والحكم البشريين على استخدام القوة؛ والاعتراف بأن ضمان هذه السيطرة والحكم يتطلب وضع قيود فعالة على عمليتي تصميم منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل واستخدامها؛ وثقة متزايدة في إمكانية تحديد هذه القيود على المستوى الدولي.

ومن المشجع أيضاً أن العديد من الدول أبدت استعدادها لأن توضّح كيف يقيّد القانون الدولي الإنساني أساساً منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل، وأن بعض الدول اقترحت زيادة تبادل الممارسات العسكرية الحالية.

وإن اللجنة الدولية على اقتناع بأن القيود الدولية على منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل يجب أن تتّخذ شكل قواعد جديدة ملزمة قانوناً. وثمة حاجة إلى قواعد جديدة بسبب جسامة المخاطر وضرورة توضيح كيفية انطباق قواعد القانون الدولي الإنساني القائمة والحاجة إلى تطوير الإطار القانوني وتعزيزه بما يتماشى مع القضايا الأخلاقية وقضايا سيادة القانون والاعتبارات الإنسانية.

ويجب أن يستمر القانون الدولي في التطور من أجل دعم الحماية في مواجهة التكنولوجيا والممارسات العسكرية المتطورة، وتعزيزها. وتقرّ الأطراف المتعاقدة السامية في الاتفاقية المتعلقة بأسلحة تقليدية معينة، وهي اتفاقية إطارية متجذّرة في القانون الدولي الإنساني، بأنه "من الضروري مواصلة تدوين قواعد القانون الدولي المنطبقة في النزاعات المسلحة وتطويرها التدريجي"، على نحو ما أكدته في ديباجة الاتفاقية.

ونظراً إلى التطورات العسكرية الحالية في كيفية استخدام منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل ونشرها، تحثّ اللجنة الدولية الأطراف المتعاقدة السامية في الاتفاقية المتعلقة بأسلحة تقليدية معينة على اتخاذ إجراءات الآن من أجل اعتماد قواعد جديدة.

وبناءً على العمل المكثف والمعمّق للاتفاقية المتعلقة بأسلحة تقليدية معينة وفريق الخبراء الحكوميين هذا على مدى السنوات الثماني الماضية، هناك فرصة لصياغة استجابة دولية من شأنها أن تعزز بشكل فعال حماية المتضررين من النزاعات المسلحة، وتدعم الالتزامات القانونية والمسؤوليات الأخلاقية للأشخاص الذين يديرون النزاعات، وتصون إنسانيتنا المشتركة. وهي فرصة يتعين على الأطراف المتعاقدة السامية اغتنامها والتركيز عليها في عملها خلال هذا الاجتماع.