بيان

نزع السلاح والأمن الدولي: تحديات التوسع الحضري المتزايد والتقدم التكنولوجي

الجمعية العامة للأمم المتحدة، الدورة 76، اللجنة الأولى
مناقشة عامة لجميع بنود جدول الأعمال المتعلقة بنزع السلاح والأمن الدولي

السيد الرئيس، أصحاب السعادة، السيدات والسادة،

تعرب اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) عن امتنانها لإتاحة هذه الفرصة لها لمخاطبة اللجنة الأولى في هذا المنعطف الحرج على مضمار الجهود المتعددة الأطراف الرامية إلى نزع السلاح وفي مجال القانون الدولي الإنساني.

إن نزع السلاح والحد من الأسلحة ليسا فقط أداتين للحفاظ على السلم والأمن الدوليين أو لمنع النزاعات المسلحة وإنهائها، بل هما أدتان مهمتان أيضًا في تخفيف أثر النزاع المسلح في حال نشوبه. وهذا هو عين الهدف الذي يسعى إليه القانون الدولي الإنساني. فمن خلال تحقيق توازن عملي بين الضرورة العسكرية والواجبات الإنسانية – حمايةً للمدنيين وغيرهم من الأشخاص المتضررين من جراء النزاعات المسلحة – يجسد القانون الدولي الإنساني المبدأ القائل بأن الضرورات العسكرية لا يمكن أبدًا أن تبرر استخدام أسلحة لاإنسانية أو عشوائية. وقد وجَّه هذا الإدراك – المبني على أساس الكلفة البشرية الفعلية أو المتوقعة الناجمة عن استخدام أسلحة وأساليب حربية معينة – الحدَّ من الأسلحة ونزع السلاح منذ فترة طويلة. والواقع أن الحد من الأسلحة – وهي مهمة تقع ضمن ولاية اللجنة الأولى – وسيلةٌ بالغة الأهمية للحد من العواقب الإنسانية للنزاع المسلح عن طريق تقليص المخاطر التي يتعرض لها المدنيون وإنقاذ الأرواح.

واليوم، يواجه المجتمع الدولي تحديات كبيرة. إذ نرصد اتجاهين رئيسيين من المتوقع أن يشكلا، معًا أو كل على حدة، مستقبلَ شن الحروب – وهما يشكلانه الآن بالفعل. وهذان الاتجاهان هما: التوسع الحضري المتزايد، والتطور السريع واستخدام وسائل وأساليب جديدة لشن الحرب في أعقاب صنوف التقدم التي يجلبها العلم والتكنولوجيا.

وبوجه عام تستمر النزاعات المسلحة الحديثة فترة أطول، وتتسم بتشظِّيها وانقسامها أكثر مما كان يحدث في أي وقت مضى في الماضي القريب، وهي تنشب بصورة متزايدة في المناطق الحضرية. ومع دخول الحرب إلى قلب المدن تزداد الأضرار المدنية أيضًا بصورة كبيرة. وهذه الأضرار تكون مباشرة وغير مباشرة، فورية وعلى الأمد البعيد، مرئية وغير مرئية. وتتطور طريقة خوض النزاعات أيضًا بسبب التطورات التي يشهدها العلم والتكنولوجيا. ومثل هذه التطورات يمكن – بل يجب - استخدامها لتقليل المعاناة الإنسانية، بما في ذلك الضرر الذي يلحق بالمدنيين من جراء سير الأعمال العدائية.

ولكن استخدامها في تطوير أسلحة جديدة يثير معضلات قانونية وأخلاقية خطيرة ويهدد بالتسبب في معاناة إنسانية بالغة. لذلك، فإن تقييم شرعية الأسلحة والوسائل والأساليب الجديدة لشن الحرب بموجب القانون الدولي، بما في ذلك في ضوء مبادئ الإنسانية وما يمليه الضمير العام، هو أمرٌ في غاية الأهمية، لا سيما بالنظر إلى التطور السريع لتكنولوجيا الأسلحة الجديدة.

ويصادف هذا العام الذكرى الخامسة والسبعين لأول قرار اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة. كان هذا القرار الأساسي يتطلع إلى "القضاء على الأسلحة الذرية وجميع الأسلحة الرئيسية الأخرى التي يمكن تعديلها لأغراض التدمير الشامل من الترسانات الوطنية". وفي ضوء العواقب الإنسانية الكارثية للأسلحة النووية، لا يزال نزع السلاح النووي يشكل ضرورة إنسانية ملحة. فمنذ أن تسبب إلقاء القنبلتين الذريتين الأوليين في معاناة مروعة لسكان هيروشيما وناغازاكي في عام 1945، دأبت الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر (الحركة) على الدعوة إلى حظر الأسلحة النووية والقضاء التام عليها، فهي أكثر الأسلحة التي ابتكرها الإنسان لاإنسانية على الإطلاق.

وفي عام 2017، استجابت 122 دولة لهذه الدعوة من خلال اعتماد "معاهدة حظر الأسلحة النووية". فكان دخولها حيز التنفيذ في وقت سابق من العام الجاري إنجازًا تاريخيًا حقيقيًا وانتصارًا للإنسانية والجهود المتعددة الأطراف. وترسل هذه المعاهدة إشارة واضحة مفادها أن أي استخدام للأسلحة النووية أو تهديد باستخدامها أو حيازتها هو أمر غير مقبول من الناحية الإنسانية والأخلاقية والقانونية. وفي الواقع، ترى اللجنة الدولية أنه من المشكوك فيه للغاية إمكان استخدام الأسلحة النووية على الإطلاق بما يتفق مع القانون الدولي الإنساني، وذلك بالنظر إلى ما نعرفه عن آثارها المدمرة وغير الإنسانية على جسم الإنسان وعلى البيئة. إن استخدامها ضد تجمعات المدنيين، مثل المدن، أو ضد أهداف تقع في مناطق مأهولة بالسكان أو بالقرب منها – بعد النظر في جميع السيناريوهات في العقائد النووية للحرب الباردة ومن غير الواضح ما إذا كانت باقية حتى اليوم – ينتهك مبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني الرئيسية بشأن التمييز والتناسب انتهاكًا صارخًا.

ولا يزال خطر استخدام الأسلحة النووية في ازدياد، وتغذيه توتراتٌ دولية وإقليمية وتحديثُ الترسانات النووية، بما في ذلك تطوير أسلحة نووية أصغر يُقال إنها أكثر قابلية للاستخدام، والتقدمُ التكنولوجي الذي يجعل هذه الأسلحة وأنظمة القيادة والتحكم فيها عرضةً لهجوم سيبراني. ثمة حاجة ماسة إلى بذل جهود متضافرة للحد من خطر استخدام الأسلحة النووية. وسيكون "المؤتمر الاستعراضي العاشر للأطراف في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية" فرصة حاسمة لوقف التوجه المقلق صوب سباق تسلحٍ نووي جديد، وعكسِ مساره، بسبل منها تنفيذ التزامات بعيدة الأمد للحد من المخاطر. ويشمل ذلك إنهاء حالة التأهب القصوى للأسلحة النووية وتقليص دورها في العقائد العسكرية، ريثما يتم القضاء التام عليها. وتعد معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية حجر الزاوية في نزع السلاح النووي وعدم الانتشار النووي، ويجب على الدول الأطراف فيها أن تحرز تقدمًا عاجلًا وملموسًا في نزع السلاح النووي، لا سيما في تنفيذ المادة السادسة، إذا كان لهذه المعاهدة أن تحفظ مصداقيتها.

إن "معاهدة حظر الأسلحة النووية" و"معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية" صكّان متكاملان ويعزز كل منهما الآخر، وهما عنصران حاسمان في الهيكل الأوسع نطاقًا لنزع السلاح النووي. فللمعاهدتان هدف مشترك: عالم خال من الأسلحة النووية. ونحن نحث الدول على العمل البنَّاء معًا لإحراز تقدم ملموس نحو هذا الهدف، بما في ذلك في الاجتماع القادم والأول للدول الأطراف في معاهدة حظر الأسلحة النووية. وفي أثناء الاجتماع نشجع الدول الأطراف على إنشاء إطار متين لتنفيذ المعاهدة في المستقبل، لا سيما التزاماتها الإيجابية بإصلاح الضرر الناجم عن استخدام الأسلحة النووية واختبارها، الواقعِ على البشر والبيئة. ونحن نشجع بقوة الدول التي لم تصبح بعد أطرافًا في المعاهدة على حضور الاجتماع بصفة مراقبين.

السيد الرئيس،

يساور اللجنة الدولية قلق بالغ إزاء الأثر الإنساني للتطوير غير المقيَّد لمنظومات الأسلحة الذاتية التشغيل، التي يُقصد بها أنظمة الأسلحة التي تتولى، بعد تفعيلها أو إطلاقها، اختيارَ القوة الحربية وإطلاقها على الأهداف دون تدخل بشري. إن انحسار سيطرة البشر على استخدام القوة – مع استبدال أجهزة الاستشعار والبرمجيات والعمليات الآلية فعليًا بالقرارات البشرية بشأن الحياة والموت – يفضي إلى مخاطر واضحة تهدد المدنيين والمقاتلين الذين كفوا عن القتال وتحديات تتعلق بالامتثال لقواعد القانون الدولي الإنساني والشواغل الأخلاقية الأساسية للإنسانية.

إن استخدام منظومات الأسلحة الذاتية التشغيل محدود نسبيًا في الوقت الحالي، غير أن الاتجاهات الجديدة تشير إلى اتساع نطاق تطويرها واستخدامها حاليًا، مع محدودية الإشراف البشري والقدرة البشرية على التدخل في تشغيل هذه المنظومات وتعطيلها، بما في ذلك استخدامها في المدن حيث يكون المدنيون هم الأكثر عرضة للخطر. وعلاوة على ذلك، يتزايد استكشاف استخدام الذكاء الاصطناعي وبرامج التعلم الآلي للتحكم في الوظائف الحاسمة لاختيار القوة الحربية وتطبيقها. هذه الاتجاهات والتطورات تُفاقم مخاوفنا الأساسية بصورة كبيرة.

وعلى هذا الأساس توصي اللجنة الدولية الدولَ باعتماد قواعد جديدة ملزمة قانونًا لتنظيم منظومات الأسلحة الذاتية التشغيل من أجل ضمان الاحتفاظ بالسيطرة البشرية والحكم البشري الكافيين على استخدام القوة. وترى اللجنة الدولية أن هذا سيتطلب حظر أنواع معينة من منظومات الأسلحة الذاتية التشغيل - وعلى وجه التحديد الأسلحة الذاتية التشغيل التي لا يمكن فهم آثارها وتوقعها وشرحها بصورة كافية، والأسلحة الذاتية التشغيل المصممة أو المستخدمة لممارسة القوة ضد أشخاص لا أعيان - وتنظيم كل أنواع الأسلحة الأخرى تنظيمًا صارمًا. ولا يعوق هذا منظوماتِ الأسلحة الذاتية التشغيل عن العمل ضمن الحدود الصارمة التي لم توضع بعد أو التطبيقات الأخرى للذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، التي لها مجموعة متنوعة من الاستخدامات العسكرية، مثل منظومات دعم القرار التي قد تستخدمها الجيوش لمساعدتها على تحديد مَن أو ماذا تهاجم ومتى تشن الهجوم. والأهم من ذلك، أن منظومات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي هي أدوات يجب استخدامها لتحسين عملية صنع القرار البشري، لا استبدالها ولا إضعافها.

وأمام الدول الآن فرصةٌ للتفاوض بشأن قواعد جديدة بشأن منظومات الأسلحة الذاتية التشغيل تعزز الحمايةَ للمتضررين من النزاعات المسلحة تعزيزًا فعالًا، وتدعم الالتزامات القانونية والمسؤوليات الأخلاقية للأشخاص المسؤولين عن تسيير الأعمال العدائية وتحمي إنسانيتنا المشتركة. إن "المؤتمر الاستعراضي للاتفاقية المتعلقة بأسلحة تقليدية معينة" الذي سينعقد في غضون شهرين يعد لحظة حاسمة يجب على الدول اغتنامها على وجه السرعة.

السيد الرئيس،

كان العام الجاري مَعلمًا مهمًا في جهود المجتمع الدولي الرامية إلى وضع قيود على استخدام الدول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في سياق الأمن الدولي. هذه القدرات هي وجه آخر من أوجه التقنيات الجديدة، التي يمكن أن تُستخدم وسيلةً أو أسلوبًا لشن الحرب في النزاع المسلح. وتثني اللجنة الدولية على الدول بشأن الاختتام الناجح لكل من "الفريق العامل المفتوح العضوية" و"فريق الخبراء الحكوميين".

تتطور بيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات باستمرار وكذلك استخدام العمليات السيبرانية في أثناء النزاعات المسلحة والمخاطر التي يشكلها هذا الاستخدام على البشر. واليوم، يدرك المجتمع الدولي أن "عددًا من الدول يطور قدرات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لأغراض عسكرية" وأن "استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في النزاعات المستقبلية بين الدول يزداد احتمالًا" (A/AC.290/2021/CRP.2). وخلصت الدول أيضًا إلى أن العمليات السيبرانية ضد البنية التحتية المدنية الحيوية تنطوي على خطر "احتمال حدوث عواقب ... إنسانية وخيمة" (A/AC.290/2021/CRP.2). وتؤكد خبرتنا أن تعطيل البنية التحتية المدنية الحيوية يخلف عواقب وخيمة بوجه خاص في المجتمعات التي أضعفها النزاع المسلح بالفعل.

في ضوء هذا الواقع، رأت اللجنة الدولية منذ فترة طويلة أن العمليات السيبرانية في أثناء النزاعات المسلحة لا تقع في "فراغ قانوني" أو "منطقة رمادية"، فهي تخضع للمبادئ والقواعد الراسخة في القانون الدولي الإنساني. وكخطوة أولى أساسية، فإننا نرحب بإشارة "فريق الخبراء الحكوميين" في تقريره لعام 2021 إلى أن "القانون الدولي الإنساني لا ينطبق إلا في حالات النزاع المسلح"، وإدراكه "ضرورة إجراء مزيد من الدراسات بشأن كيف ومتى تنطبق هذه المبادئ [من القانون الدولي الإنساني] على استخدام الدول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات"، وتأكيده أن "التذكير بهذه المبادئ لا يضفي بأي حال شرعيةً على النزاعات أو يشجع على خوضها".

وتدعو اللجنة الدولية الدول إلى البناء على هذه الاتفاقية وتعميق الدراسة بشأن كيف ومتى يفرض القانون الدولي الإنساني قيودًا على العمليات السيبرانية في أثناء النزاعات المسلحة. وتتطلب الأسئلة الأساسية المتعلقة بحماية الحياة المدنية مزيدًا من المناقشة وتحديد الدول مواقفها بوضوح، مع مراعاة السمات الخاصة لبيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. فعلى سبيل المثال، نرى أنه يمكن أن تتعلم الدول من بعضها بعضًا بشأن الاحتياطات المعقولة التي يمكن – أو يجب – اتخاذها في أثناء سير العمليات العسكرية السيبرانية بغرض تجنب الأضرار الواقعة على المدنيين وتقليلها في أي حال إلى حدها الأدنى. وعلاوة على ذلك، في عالم يعتمد بصورة متزايدة على البيانات، يجب أن تكون من أولويات الدول الموافقة على حماية البيانات المدنية من الهجوم، تمامًا مثل ما هو الحال بالنسبة للملفات الورقية المدنية.

السيد الرئيس،

يجب ألا تصرفنا المخاطر الجديدة والمحتملة المتعلقة بتكنولوجيا الأسلحة الناشئة عن الحاجة إلى معالجة الضرر المدمر الذي تسببه الأسلحة التقليدية للمدنيين في أثناء النزاعات المسلحة المعاصرة، لا سيما في أثناء حروب المدن.

والأكثر إثارة للقلق هو الأضرار التي لا تزال تسببها الأسلحة المتفجرة الثقيلة - مثل المدفعية ومدافع الهاون والقنابل الكبيرة والصواريخ وقاذفات الصواريخ المتعددة الفوهات - عند استخدامها في المناطق الحضرية وغيرها من المناطق المأهولة بالسكان. ورغم التقدم التكنولوجي، لا تزال النزاعات المسلحة الحالية تدور رحاها في الغالب باستخدام هذه الأسلحة، التي ينجم عنها الغالبية العظمى من الضحايا المدنيين في المناطق المأهولة بالسكان. ورغم عدم وجود حظر عام على هذه الأسلحة بموجب القانون الدولي الإنساني، فإن استخدامها قد ينتهك، وفقًا للظروف، قاعدة أو أكثر من قواعده الأساسية. إن الأسلحة المتفجرة ذات الآثار الواسعة النطاق غير ملائمة للاستخدام في البيئات الحضرية، حيث تدور معظم المعارك في الوقت الراهن. فهي تسفر عن مستويات عالية غير مقبولة من الضحايا المدنيين وتدمير الأعيان المدنية، كما ينجم عنها أيضًا آثار خطيرة غير مباشرة (أو يتردد صداها في المناطق المأهولة)، مثل انقطاع إمدادات المياه والكهرباء والرعاية الصحية والخدمات الأخرى الضرورية لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة. وبالإضافة إلى ذلك، يجبر القصف الأهالي على ترك منازلهم ويطيل أمد نزوحهم، ويتسبب في انتكاسات كبيرة تعرقل أهداف التنمية المستدامة.

وقد تَفاقمَ هذا الواقع القاسي الذي يواجهه ملايين المدنيين بسبب تفشي فيروس كورونا واستمراره. فمن دون الخدمات الأساسية تصبح الإجراءات الوقائية البسيطة، مثل غسل اليدين والعزل الذاتي، مستحيلة، ويصبح علاج المرضى أمرًا بالغ الصعوبة. وتواصل اللجنة الدولية دعوة الدول وجميع أطراف النزاع المسلح إلى تجنب استخدام الأسلحة المتفجرة ذات التأثير الواسع النطاق في المناطق المأهولة بالسكان. ويدخل في باب السياسة والممارسة الجيدة عدم استخدام الأسلحة المتفجرة الثقيلة في المناطق المأهولة بالسكان، ما لم تُتخَذ تدابير تخفيف كافية للحد من آثارها الواسعة النطاق وما ينجم عنها من خطر إلحاق الأذى بالمدنيين.

وتدعم اللجنة الدولية بقوة العملية الدبلوماسية الجارية بقيادة أيرلندا لاعتماد إعلان سياسي يتصدى للضرر الذي يلحق بالمدنيين بسبب استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان. ونحن على ثقة من أن هذه العملية ستتمخض عن التزامات قوية لتعزيز حماية المدنيين وتيسير إيلاء الاحترام للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك وضع قيود على استخدام الأسلحة المتفجرة. ونحن نحث جميع الدول على العمل معًا لتحقيق هذه الغاية واختتام هذه العملية في أقرب وقت ممكن.

السيد الرئيس،

لا تزال اللجنة الدولية تشهد الآثار المدمرة للأسلحة التقليدية الأخرى على المجتمعات التي مزقت أوصالها النزاعات، مثل الألغام الأرضية والذخائر العنقودية، وبوجه أعم، مخلفات الحرب القابلة للانفجار. فهذه الأسلحة تحصد أرواح المدنيين خلال الأعمال العدائية النشطة بل وبعد عقود من انتهاء القتال.

لقد قدمت اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد، والاتفاقية بشأن الذخائر العنقودية، والاتفاقية المتعلقة بأسلحة تقليدية معينة، والبروتوكول الخامس بشأن المتفجرات من مخلفات الحرب مساهمةً كبيرة في إنقاذ الأرواح وحماية الأبدان من بتر أطرافها وحماية سبل العيش. ونحن نحث جميع الدول التي لم تنضم بعد إلى هذه الصكوك على الانضمام إليها.

ونحن نرحب على وجه الخصوص باعتماد مؤتمر استعراض اتفاقية الذخائر العنقودية الأخير إعلان لوزان الذي يدين أي استخدام للذخائر العنقودية من قبل أي طرف. ونرحب كذلك باعتماد خطة عمل لوزان، التي تحدد إجراءات ومؤشرات محددة لقياس تنفيذ الالتزامات الرئيسية للاتفاقية وستكون بمثابة خارطة طريق لدورة المراجعة التالية. وفي ضوء الوتيرة البطيئة المقلقة للانضمام للاتفاقية، تحث اللجنة الدولية الدولَ على الانضمام إلى اتفاقية الذخائر العنقودية دون إبطاء وتحث الدولَ الأطراف على مضاعفة جهودها لزيادة عدد الدول المنضمة لهذه الاتفاقية.

ويرى كل يوم مندوبو اللجنة الدولية بأعينهم في جميع أنحاء العالم المعاناة الشديدة التي يسببها سوء استخدام الأسلحة والذخائر، بسبب عدم كفاية ضوابط حيازتها ونقلها واستخدامها. ويؤدي توفر الأسلحة على نطاق واسع إلى إطالة أمد النزاعات، ويفضي إلى نزوح الأشخاص داخل البلاد وعبر الحدود، ويمكن أن يؤدي إلى زعزعة استقرار مناطق بأكملها. وينجم عن الإمداد المستمر (العلني والسري) بالأسلحة التقليدية في العديد من البلدان حول العالم اقتراف انتهاكات خطيرة بحق القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.

تهدف الصكوك الدولية والإقليمية، لا سيما معاهدة تجارة الأسلحة، إلى الحيلولة دون وقوع مثل هذه الانتهاكات، عن طريق وضع معايير لعمليات نقل الأسلحة المسؤولة وتعزيز الشفافية. وتحث اللجنة الدولية الدول على الالتزام بهذه الصكوك وتنفيذها بتفانٍ، بما في ذلك من خلال إدماج الاعتبارات الإنسانية في صلب قراراتها المتعلقة بنقل الأسلحة على جميع المستويات. ونحن ندعو جميع الدول الأطراف في معاهدة تجارة الأسلحة إلى تنفيذ المعاهدة بطريقة متسقة وموضوعية وغير تمييزية، وبأعلى مستوى ممكن، مع مراعاة التزامها باحترام القانون الدولي الإنساني وكفالة احترامه.

وقد أدت اتفاقية الأسلحة التقليدية – ولا تزال – دورًا مهمًا في الجهود المبذولة لتقليل المعاناة في النزاعات المسلحة. ونحن نحث جميع الدول التي لم تنضم بعد إلى هذه الاتفاقية وبروتوكولاتها على الانضمام إليها دون إبطاء. ويمثل المؤتمر الاستعراضي القادم فرصة للتقييم والتطلع إلى الأمام، من أجل ضمان استمرار الاتفاقية في تقديم حماية كافية وفعالة لضحايا الحرب - الرجال والنساء والفتيان والفتيات - والبيئة الطبيعية التي يعتمدون عليها، في ظل تطور الحرب والتغيرات التي تشهدها.

السيد الرئيس،

لننظر الآن في استخدام الفضاء الخارجي في الحرب المعاصرة، الذي اعتمدت عليه العمليات العسكرية لعقود عديدة. فمع استمرار تزايد دور المنظومات الفضائية في العمليات العسكرية في أثناء النزاعات المسلحة، تزداد أيضًا احتمالية استهدافها بوسائل حركية أو غير حركية. ومن ناحية أخرى، فإن التقنيات التي تتيحها منظومات الفضاء تتغلغل أيضًا في معظم جوانب الحياة المدنية. لذلك، قد يكون لاستخدام الأسلحة في الفضاء الخارجي تأثير كبير على المدنيين على الأرض، ما يؤثر على الأنشطة والخدمات التي تعد بالغة الأهمية لسلامتهم أو ضرورية لبقائهم على قيد الحياة. لذلك، فإن تزايد مخاطر الأعمال العدائية في الفضاء الخارجي هو مصدر قلق إنساني خطير.

لن تحدث العمليات العسكرية في الفضاء الخارجي في فراغ قانوني. فهي مقيَّدة بالقوانين القائمة، لا سيما معاهدة الفضاء الخارجي وميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي الإنساني التي تحكم سير الأعمال العدائية، بما في ذلك صنوف الحظر والقيود على استخدام وسائل وأساليب معينة لشن الحرب، التي تكفل الحماية للمدنيين. وقد صاغت اللجنة الدولية هذه الآراء في ورقة الموقف التي تحمل عنوان "التكلفة البشرية المحتملة لاستخدام الأسلحة في الفضاء الخارجي والحماية التي يوفرها القانون الدولي الإنساني"، ونُشرت في نيسان/أبريل من هذا العام عقب اعتماد الجمعية العامة القرار 75/36 واستجابةً لاعتماده.

ونحن نرحب بالمناقشات في اللجنة الأولى لإرساء عملية شاملة تمضي قدمًا بمسألة الحد من التهديدات في الفضاء، بناءً على التوصيات الواردة في تقرير الأمين العام، "الحد من التهديدات الفضائية عن طريق معايير وقواعد ومبادئ تضبط أنماط السلوك المسؤول" (A/76/77). ونوصي بأن تقر المناقشات والعمليات المستقبلية، بما في ذلك تلك المتعلقة بالسلوك المسؤول في الفضاء الخارجي، بالأثر الكبير المحتمل لاستخدام الأسلحة في الفضاء الخارجي على المدنيين على الأرض؛ وأن تقر بالحماية التي تكفلها قواعد القانون الدولي الإنساني وغيرها من فروع القانون الدولي المعمول بها عن طريق تقييد اختيار المتحاربين وسائل وأساليب شن الحرب، بما في ذلك في الفضاء الخارجي. ونؤكد مجددًا على أن الاعتراف بإمكانية تطبيق القانون الدولي الإنساني لا يضفي شرعيةً على تسليح الفضاء الخارجي أو أي أعمال عدائية تجري فيه، ولا يشجع أو يبرر بأي شكل من الأشكال استخدامَ القوة في الفضاء الخارجي.

وفي الختام،

تقف اللجنة الدولية – بصفتها منظمة إنسانية تعمل في جميع أنحاء العالم لحماية ومساعدة الأشخاص المتضررين من النزاعات المسلحة وحالات العنف الأخرى ومهمتها العمل من أجل فهم ونشر المعرفة بالقانون الدولي الإنساني المنطبق في النزاعات المسلحة وإعداد أي تطوير له – على أهبة الاستعداد لمواصلة تقديم العون للدول في جهودها الرامية للارتقاء بتنفيذ القانون وتطويره عند الضرورة، بما في ذلك ما يتصل بوسائل وأساليب شن الحرب.

إن مواجهة التحديات الجديدة والمستمرة في حماية المدنيين تتطلب مرونة وتصميمًا. ونحن ندعو جميع الدول إلى إظهار هذه السمات عند مشاركتها في الاجتماعات المقبلة بشأن نزع السلاح التقليدي والنووي.

شكرًا لكم.