مقال

سورية: الطبخ بلا دسم أو لحم أو عجين

ماذا سنتناول اليوم على الغداء؟
سؤال يتكرر كل يوم على الألسنة بمختلف لهجاتها وألوانها ومواقعها. وغالبا ما يكون السؤال بدافع الحيرة بين الخيارات العديدة. هل نتناول الحساء؟ أم المعكرونة؟ أم اللحم المطهي في الفرن؟ أم سنتناول الطعام بالخارج في مطعم؟ أو نطلب توصيل البيتزا إلى المنزل؟

إلا أنه في سورية، ذات المطبخ المشهور الذي أغدق العالم بأشهى الوصفات، يتكرر هذا السؤال بدافع من اليأس وقسوة الظروف التي تجعل موارد الغذاء شحيحة وغالية السعر!

 واحد من كل شخصين في سورية لا يمتلك الغذاء أو حتى رفاهية شراء الطعام الجاهز ولا يخفى على أحد أن السبب هو الأزمة السورية التي قاربت الدخول على عامها العاشر.

تدهور الوضع الاقتصادي والعقوبات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة والقتال الدائر في بعض أنحاء البلاد كلها أسباب تحول بين المطبخ السوري الشهي وأبنائه وتدفعهم دفعًا نحو الفقر المدقع والجوع

 وإن كان يعيش في سورية 100 شخص سيكون 80 منهم بالفعل فقراء وليسوا فقط فقراء ولكن تحت خط الفقر الدولي البالغ 1.9 دولار في اليوم!

 في بلد اكتفى ذاتيًا بالغذاء لعقود وصدّر الباقي عن حاجته إقليميًا، يوجد 9 ملايين سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي

وبالمقارنة بالعام الماضي زاد هذا الرقم بمقدار 1.4 مليون شخص (نسبة زيادة 20%)

كل هذا يثير مخاوفنا من انتشار شبح نقص التغذية وتدهور الأوضاع أكثر فأكثر...

 

"ضحيت وأكلت أرز"

 

في سورية يحكي السيد خليل إبراهيم الفلاح عن كيس أرز كطعام فاخر غالي الكلفة لدرجة اعتبار تناوله نوع من البذخ أو الإسراف!
كيف لا وقد ارتفع سعر المواد الغذائية الأساسية بنسبة 300%!

السيد خليل يبلغ من العمر 65 عامًا ويعيش مع زوجته أم محمد المصابة بالسرطان وهما نازحان من دير الزور منذ عام 2016، ولديه ابنان وابنة وأربعة أحفاد.

في الأيام العادية يتقاسم خليل الطعام مع أم محمد، ويتشاطران حتى ثمرة الطماطم. ولكن عندما تزوره ابنته وأحفاده يهرع خليل إلى تحضير كل ما يمكن تحضيره من طعام ترحيبًا بالضيوف الأعزاء. فيتناولون وليمة متواضعة من الأرز والإسباجيتي.

ماذا تقول لطفلك الجائع عندما تعجز عن توفير الطعام؟

السيد أمين يعيش في حمص ويعمل كمدرس إلا أن وصول جائحة كوفيد-19 أذهب بوظيفته بعد غلق المدارس والآن يعاني أمين لتأمين حياة كريمة لأسرته.

أصعب ما يواجهه أمين هو تلبية احتياجات أطفاله. اعتاد أمين من قبل أخذ أولاده إلى مدينة الألعاب كلما سنحت الفرصة والآن يقول

 حتى كلمة مدينة الألعاب لازم فكر فيها مرة ومرتين وتلاتة هل أنا معي مصاري آخدهم أو لا؟ الطفل ما بقول والله بابا معو ولا ما معو، الطفل بقول بابا أنا بدي.

الدواء أم الغذاء؟ اختيارات الحياة اليومية في سورية 

السيدة فريدة من ريف حلب أم لثلاثة أطفال تركت منزلها وفقدت زوجها بسبب الحرب وتعيل أطفالها من خلال مشروع صغير يبيع الحلوى والمعجنات السورية بدعم من اللجنة الدولية.

تأثر مشروع السيدة فريدة بالأوضاع الاقتصادية الراهنة. وقل عدد زبائنها من 50 زبون باليوم إلى 15 فقط مع تقليل حجم الطلبات بشكل واضح. قالت فريدة "أنا كنت عم أنزل أجيب مواد تكفيني لشهر أول 15 يوم، مثل الطحين والسكر والزيت والزبدة، والآن ما عدت أقدر أجيب هالكمية وفقط لما الزبون يدق لي ويوصيني بنزل أجيب الكمية التي سأستخدمها لأنه ما عاد فيه مجال"

تحديات العمل تنعكس على بيتها وتزيد من صعوبة تدبير شؤون البيت بأقل القليل واقتصر طعام فريد ة وأولادها على البقوليات 

 تقول "المصروف طبعا كلو قل والدعم للأولاد قل وأنا نقصت شوي على أولادي من مصروفهم ولبسهم"

 

ارتفاع كلفة الحياة اليومية تمثل تحديًا في عملنا الإنساني ولكننا مستمرون في تقديم المزيد من المساعدات للمستفيدين المدعومين سابقًا الذين جرى مساعدتهم على زراعة أراضيهم أو إنشاء مشاريع تجارية صغيرة، حتى يتمكنوا من تعزيز مشاريعهم ودعمها. كا نجري أيضًا تقييمًا لإمكانيات تقديم المساعدة الإضافية للفئات المستضعفة الأخرى من السكان مثل العاملين بأجر يومي والعاملين في الاقتصاد غير الرسمي وذوي المهن الحرة.

الحاجة أُم الإختراع

اشتهر المطبخ السوري دائمًا باللحوم والمكسرات في مختلف وصفاته ولكنه تأثر بالحرب كما تأثرت حياة البشر بكل جوانبها. حلّت البقوليات محل اللحوم وحلّ الفول السوداني رخيص السعر محل الفسدق والجوز. كما اختفت أطعمة تمامًا من قائمة المطبخ السوري لصعوبة الحصول على مكوناتها من الأساس. 

 ولم يختلف مطبخ السيدة أسماء كثيرًا عن القاعدة، فهي كذلك تخلت عن مكونات كثيرة ولكن غير متوقعة، فلم يتوقف الأمر عند التخلي عن اللحم والمكسرات ولكن امتد ليشمل التخلي عن الزيت والفواكه. قالت أسماء "مثلا كنتي تجيبي تنكة زيت تحطيها بالبيت و تنسي، حاليا ما بتحسني تشتري هالشي هاد"

تعمل أسماء مُدرسة وتعيل أسرة من 5 أفراد وبينهم ابن مريض. ومثلها مثل السيد أمين، تواجه صعوبة في إقناع أطفالها بالصبر والرضا بالموجود وكمدرسة ماهرة تحاول بكلمات محتالة تزيين أقل القليل مثل البطاطا المشوية وترغيبهم في تناولها. تقول أسماء "تعو شوفو ما أطيب البطاطا عالنار، كتير طيبة تعو دقوها" وتضيف

بدك تحبيبهم بالشي الموجود عندك بحيث تغطي عالشي الي مو موجود، مافي قدام الام غير هالحل يعني الترغيب