مقال

في ذكراها السبعين؛ خمس أساطير مغلوطة حول اتفاقيات جنيف

تعد اتفاقيات جنيف الركن الأساسي للقانون الدولي الإنساني، وعادةً ما يطلق عليها اسم قوانين الحرب، وهي تهدف إلى الحد من المعاناة في أوقات النزاعات المسلحة. وبمناسبة الذكرى السبعين للاتفاقيات، توضح الدكتورة "هيلين دورهام"، مدير دائرة القانون الدولي والسياسات الإنسانية في اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية)، خمس أساطير مغلوطة حول اتفاقيات جنيف.

الأسطورة الأولى: لا توجد حدود للمعاناة الإنسانية في الحرب

الحقيقة: من سورية إلى جنوب السودان، تٌتخَم شبكات التواصل الاجتماعي والأخبار بصور النزاع والعنف. ويسهل، في ظل كل هذه المعلومات، الاعتقاد بأن العنف أثناء النزاع لا حدود له. إلا أن اتفاقيات جنيف تؤيد الفكرة القائلة بأنه حتى الحروب لها حدود. فالقواعد التي تشتمل عليها تتناول مسائل مثل معالجة الجرحى والمرضى، ومنع التعذيب، وحق العائلات في معرفة مصير أقاربها المفقودين، ووجوب معاملة الأسرى معاملة إنسانية.

إننا نرى القانون في الواقع العملي يوميًا: عندما تبذل قوة عسكرية عناية كي لا تطلق نيرانها على منشآت مدنية عند استهدافها شيئًا ما، وعندما يُسمح لشخص مصاب بالمرور عبر حاجز تفتيش، وعندما يتلقى طفل على خطوط المواجهة الطعام والمساعدات الإنسانية الأخرى، وعندما تتحسن الأحوال المعيشية للمحتجزين.

وكما قال "نيلسون مانديلا" عن اتفاقيات جنيف، إنها "تواصل تذكيرنا بقوة بالتزامنا المشترك بالعناية ببعضنا البعض حتى، بل خاصةً، في الأحوال التي تشجع سلوكا مناقضًا لذلك." (لندن، 2003)

الأسطورة الثانية: بعض الجماعات لا يمكن، أو لا ينبغي، الانخراط معها

الحقيقة: تطالب اتفاقيات جنيف اللجنة الدولية بالانخراط مع جميع الأطراف في أي نزاع. تتحدث اللجنة الدولية إلى قرابة 200 جماعة مسلحة حول العالم ذات صلة بعملياتنا أو شواغلنا الإنسانية. وتوضح البحوث التي نجريها أن الجماعات اللامركزية غير التابعة للدول تتحكم فيها هياكل قيادية، وأن هؤلاء القادة يمكن التأثير عليهم إيجابيًا للالتزام باتفاقيات جنيف.

يناضل العالم اليوم من أجل تحقيق توازن بين الضروريات الأمنية للدول، وتحقيق العدالة للضحايا والناجين من النزاع، والالتزامات القانونية إزاء أولئك المنتسبين إلى العدو، والاحتياجات الإنسانية.

والقانون الدولي الإنساني يمكنه المساعدة في هذا الشأن. فهو لا يصدر أحكامًا على دوافع القتال، وإنما ينص على أن كل من لا يشارك في الأعمال العدائية بفعالية، أو كفّ عن المشاركة فيها، يحق له الحماية ويجب أن يلقى معاملة إنسانية، حتى العدو.

الأسطورة الثالثة: اتفاقيات جنيف عفا عليها الزمن

الحقيقة: لم يخطر على الأذهان في عام 1949 أن ثمة احتياج إلى وضع تعريف للهجوم العشوائي أو غير المتناسب في الفضاء السيبراني. وبالمثل، لم يتوقع واضعو الاتفاقيات والموقعون عليها أن النزاعات المسلحة غير الدولية ستتضاعف؛ وأن الجماعات المسلحة ستصبح على هذا التنوع والتعدد.

إذا كانت النزاعات تتطور بطبيعتها، فإن قوانين الحرب أيضًا ليست ساكنة. فالتكنولوجيات سريعة التطور تستحدث جبهات جديدة في الفضاء السيبراني وتقنيات جديدة مثل منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل. واللجنة الدولية قلقة بشأن التكلفة البشرية المحتملة للعمليات السيبرانية، وهي لذلك تعمل على فهم وتوضيح القضايا الأساسية المحيطة بالتكنولوجيا والأسلحة الجديدة، لا سيما العواقب الإنسانية والمتطلبات القانونية.

الأسطورة الرابعة: نحن عاجزون عن العمل معًا لإيجاد حل للتهديدات التي تواجهنا

الحقيقة: عندما تكاتف العالم بعد الأهوال الرهيبة التي سببتها الحرب العالمية الثانية، كان العزم المشترك على منع حدوث مثل هذا الدمار الهائل في المستقبل قويًا لدرجة أن المفاوضات التي أدت إلى ظهور اتفاقيات جنيف استمرت أربعة أشهر فحسب. ويوضح هذا الإطار الزمني الذي يبدو مستحيلًا ما يمكن إنجازه عندما تشعر الدول بحتمية التحرك.

الأسطورة الخامسة: المعاهدات الدولية لا تُحدث فرقًا

الحقيقة: نعي بكل الألم أن اتفاقيات جنيف وقوانين الحرب لا توقف ويلات ميادين القتال. ولكن عندما يراعَى القانون الدولي الإنساني، يتقلص الأذى الواقع على المدنيين على نحو جذري.

فمن المعاهدات المتعلقة بحظر الألغام المضادة للأفراد التي قلصت بشكل هائل استخدام هذه الأسلحة وأنقذت آلاف الأرواح، إلى معاهدات جنيف التي أتاحت لنا زيارة ما يربو على مليون محتجز في العام الماضي نرى أن القانون الدولي يُحدث فرقًا لكثير من الأشخاص الذين يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة أثناء النزاعات.

وكما قال رئيس اللجنة الدولية السيد "بيتر ماورير": "اتفق العالم كله إنه حتى في أوقات الحرب لابد للإنسانية أن تسود. ومن قبيل الحقيقة المطلقة أننا سنكون أسوأ بدون اتفاقيات جنيف. ولكنها تحتاج إلى دعم أفضل، ومدافعين أقوى، وروح ابتكارية لصياغة سبل جديدة لحماية الناس في عالم اليوم سريع التغير."